فيتو
مكرم النبراوى
حبوب منع (الدعم)
لا شك لدي بأن مصر في اللحظة الراهنة تسعى للأفضل.. فقد ظللنا عقودًا طويلة نعيش كشعب على مثبطات العزم وتفتيت الروابط وهدم القيم والأخلاق.. وابتدع القائمون على مخططات إضعاف الدولة المصرية من أذناب الاستعمار البغيض منظومات الكسل والتراخي والاعتماد على الآخر وحب الفساد والرشوة والمحسوبية تحت عنوان رقيق في ظاهرة خبيث في داخله يسمى (الدعــــم)...

فقد استفاد تحت مظلة هذا العنوان.. أباطرة الفساد على مدى عقود سابقة حتى استوحشوا وتوغلوا في مفاصل الدولة وصاروا ديناصورات خفية تلعب في الظلام، لا تقوى أجهزة الدولة بإمكانياتها المتهالكة (عن قصد) على مجابهة هذه الوحوش المفترسة..

فقد وصل الأمر أن استغل هؤلاء الوحوش الجانب البرّاق لكلمة (الدعم) واعتمدوا على سذاجة البسطاء وعدم وعيهم.. ليجعلوا منهم حائط صد وخط دفاع أول ضد أي محاولة من قبل الدولة لفرض السيطرة وتصحيح المسار والارتقاء بالخدمات كما في دول العالم المتقدم، وأصبحت كلمة (إلغاء الدعم) هي كلمة السر التي يستخدمها حيتان الفســاد في تحريك جيوش المجتمع من البسطاء والطبقات الكادحة ضد أي محاولة إصلاح اقتصادي.

نتيجة لهذا نشأ صراع ظاهري لا يؤتي ثمارًا مع ما يسمى (الفساد) من خلال عبارات رنانة وعناوين براقة يرددها كل مسئول في بداية توليه المسئولية كنوع من أنواع الشكر والعرفان بالجميل لثقة الدولة في اختياره في هذا الموقع وتحمله المسئولية، وأصبح الأمر ينحصر بين أمرين:

إما خوف المسئول الشريف من مواجهة (الفساد) فيعكر ما يسمى (السلم الاجتماعي) إذا ما فكر أن يتخذ خطوات جدية حماسية مع بداية توليه في طريق علاج المرض (الدعم) ليزول العرض (الفساد).

أو أن يكون هذا المسئول واحدًا من ديناصورات (الفساد) الذين تربوا في كنف هذا (الدعم).. البراق في ظاهرة الخبيث في باطنة.. وأساس كل المصائب. والمحصلة النهائية صفر لكلا النوعين.

ونتيجة لذلك ساء الحال وازداد الفقر والجهل والمرض في نسيج السواد الأعظم من الشعب.. وانحصرت الثروة والتعليم الحقيقي والعلاج الفاخر في أيدي طبقة الأغنياء رجال الدعم الأوفياء، وتوفرت البيئة المناسبة لنمو الديناصورات وارتفاع نسبة الحشرات بين أطياف المجتمع المصري.. لتنهش في بنيان الوطن.. وتسهم في نشر الأمراض والأوبئة الأخلاقية التي جعلت من دولة بحجم مصر وعراقتها وتاريخها وإمكاناتها ومواردها.. دولة ضعيفة ومتهالكة.. وأصبح الرائي عن قرب يستعجب ويتساءل: كيف لدولة بهذا الحجم، وهذا الموقع الجغرافي أن تكون بهذا الوضع المزري والمشين؟!

وحدثت ثورة الشعب على سوء الأوضاع وتدني الخدمات، وحفظ الله مصر من تحقق سيناريو التقسيم، وعادت الأوضاع بسلام إلى ما كانت عليه قبل الثورة، واستمر الفساد وعاد الفاسدون من جديد أشد ضراوة في صراع مع الدولة لمحاولة استعادة ما كانوا عليه بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة في محاولة لإيهام الناس بأنه ليس هناك فائدة مما فعلتموه ومما ستفكروا في فعله.. وصدروا فكرة (إن مفيش فائدة) للشعب، ومازالوا يحاولون إعاقة أي تنمية وأي مسيرة إصلاح، مستغلين تذبذب الحكومة وتأخرها في اتخاذ قرارات مصيرية.

لقد أيقنت الدولة المصرية بأنه لا بديل عن إنهاء هذا السرطان المسمى (لدعم) من خلال جرعات من (حبوب منع الدعم) يتناولها الشعب مرة بعد مرة حتى يستشعر التعافي من هذا الورم الخبيث، ويصبح في حالة شفاء تام من حالة الإدمان التي اعتادها على مدى عقود سابقة، وأصبحت الدولة الآن في صراع مع الزمن من أجل احتواء مرحلة العلاج وتنمية الاقتصاد جنبا إلى جنب مع محاولة التصدي لأذناب الاستعمار الفكري والاقتصادي الذين يعرقلون بدأب لا ينتهي مسيرات الإصلاح من خلال الضغط المعنوي والمادي على الشعب عسى أن يتحرك وينقذهم مما هم مقدمون عليه في وضع حد لتفحشهم واستغلالهم.

حفظ الله مصر وألهم قادتها وشعبها الحكمة والصبر في مسيرة ومرحلة العلاج والشفاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف