البديل
أيمن عامر
القطن ومصيبة الحكومة
لم أعد أعرف أهؤلاء الناس جهلة جهلاً فادحاً بحيث لا يعرفون شيئاً عما يتكلمون عنه، أم أنهم مخربون على علم، أي أنهم يخربون وهم يعرفون أنهم يخربون.

حكومتنا الموقرة أعلنت أخيراً أنها ستولي اهتماماً بالغاً بالقطن المصري فتتوسع في زراعته وتعمل على حماية بذرة القطن المصري من التهجين.

ولو أنهم قالوا: سنبحث عن بذرتنا المصرية ونعيد إنتاجها وإحياء قطننا المصري لفهمت، ولما وسعتني الفرحة، ولعلمت أنهم يعرفون ماذا يقولون.

أما أن يقولوا إنهم سيحمون البذرة الحالية من التهجين فهذا لا يعني إلا حماية الخراب والإبقاء على الفساد وقتل الناس كمداً، ذلك أننا لم نعد نزرع قطناً مصرياً منذ سنوات بعيدة وإنما نزرع نوعاً من السرطان الخبيث لا أعلم من أين جاءوا به ولا لماذا.. بالله عليكم فليخبرني أحد ما، أي أحد، لماذا غيرتم البذرة المصرية وحاصرتموها حتى اختفت من أرضنا، ولماذا ابتليتمونا بهذه البذرة الخبيثة التي أصابت الفلاحين بالقهر والشلل بعد أن حرقوا محاصيلهم في الأرض لأن هذه البذرة الفاسدة لم تنتج شيئاً يستحق عناء جمعه؟.

فدان القطن المصري كان ينتج 14 قنطاراً، ونفس الفدان لم يعد ينتج قنطارين لأنه ليس قطننا وليست بذرتنا.

إن التصريح بالحفاظ على البذرة الحالية وحمايتها من التهجين لا يعني سوى منع أي محاولة لتغيير البذرة الفاسدة، بل حمايتها كما هي والحفاظ عليها فاسدة ميتة، وكأنهم يقولون: سنحمي هذا السرطان ونفديه بأرواحنا، سنحمي بيوض الشيطان لتفرخ في أرضنا المباركة.

أويعني كلامهم هذا أنهم لا يعرفون أننا لا نزرع بذرة مصرية أصيلة وإنما نزرع بذرة خبيثة غريبة منذ سنوات طويلة وأن البذرة المصرية قد اختفت، أم أنهم يعرفون وينوون الإبقاء على هذا الوضع البائس، وهل هم حقاً لا يعرفون كيف اختفت بذرتنا المصرية ولا أين ذهبت؟

أما أنا فأعرف وأزعم أنهم يعرفون ولكنهم جبناء.

بذرتنا المصرية الأصلية تُزرع الآن في إسرائيل ونحن نزرع بيوض الشيطان.

وإذا كانت فيكم ذرة من وطنية، بل إنسانية، فأتوا بها وازرعوها وأحيوا القطن المصري الأصيل وأنقذونا من بيض الشيطان هذا الذي يمرح في أرضنا.

في سنة 1975 اتخذت الحكومة قراراً بتقليص مساحات زراعة القطن وحظرت على مناطق معينة (مثل أطراف الجيزة) زراعته بحجة إمداد العاصمة بالخضراوات، مع أن الخضراوات يمكن زراعتها في الأرض الرملية بخلاف القطن الذي يحتاج أرضاً طينية خصبة يتجذَّر فيها.

وفي الثمانينات جرى تغيير البذرة المصرية الأصيلة وجاءونا بهذه البذرة الخبيثة (والشيطان يعلم لماذا) فكانت النتيجة أن تدهور، بل انعدم، إنتاج القطن في مصر، ولأنهم عباقرة استوردوا القطن متوسط التيلة كي تبقى مصانع الغزل شغالة. ومع الوقت ظهرت المشاكل بل المصائب.. القطن لا يكفي المصانع رغم استيراده بالعملة الصعبة، فتدهورت صناعة الغزل والنسيج التي كانت ذات سمعة عالمية، وبدأت أحوال العمال تسوء حتى رأينا الإضرابات والاعتصامات.

ولأنهم حكماء جداً صرَّح أحدهم العام الماضي بأنه سيمنع استيراد القطن وذلك من أجل استخدام القطن المصري وكأنما يقول في نفسه: لقد نجحنا في تخريب الزراعة وجاء الدور الآن على الصناعة.

أي قطن مصري هذا يا رجل الذي تريد إجبار المصانع على استخدامه وهو لا يصلح لصناعة أكياس القمامة؟ بل إن المكن ليختنق به ولا يدور، ذلك أنه ليس قطناً أصلاً وإنما هو خبث محض، أو سمِّه ما شئت.

أيها الناس، المشكلة واضحة لأنها صارت إلى المصائب أقرب.

والحل واضح ميسور شريطة أن تتوافر النية والعزيمة وتتخلوا عن جهلكم وغشمكم وخبث مَن يوجهكم: ابحثوا عن بذرة القطن المصري الأصيلة وأعيدوها ولو بالقتال وعندها ستنتج أرضنا كل خير وتدور مصانعنا ونستعيد سمعتنا ونطرد هذه السموم الخبيثة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف