الأهرام
أسامة الألفى
إدارة الأزمات .. علم وضرورة
خلال نحو نصف عام شهدت مصر عديدًا من الأزمات التي لم تنجح الجهات المختصة في التعامل معها بحرفية أو على الأقل تلافى بعض أثارها، وكلفت البلاد ثمنًا غاليًا، بدءًا من حادثة مقتل سياح مكسيكيين في الصحراء الغربية بطريق الخطأ، ومرورًا بكارثة سقوط طائرة السياح الروسية بعد مغادرتها مطار شرم الشيخ، وحدوث جرائم فردية لضباط وأمناء شرطة، وقضية مقتل الشاب الإيطالي ريجيني، والانهيار الكبير لسعر الجنيه المصري مقابل الدولار والذي وصل في أيام قليلة لمستويات قياسية لم تحدث قبلاً، ثم أزمة الخلاف حول اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، وأخيرًا أزمة الداخلية مع نقابة الصحفيين. وفي هذه الأزمات السابق ذكرها عانى الأداء الحكومي ألوانًا من فقدان الرؤية والتخبط، تمثلت في إنكار الأزمة في البداية ثمت الإعتراف الجزئي بها، وقد نلتمس له العذر في تلك التي حدثت دون سابق إنذار مثل سقوط الطائرة الروسية، أما فيما بقى من أزمات فلا عذر للأجهزة المعنية في تخبطها بشأنها، وهذا التخبط عائد إما لضعف الإمكانات المادية والبشرية اللازمة للتعامل مع الأزمات، وإما لتجاهل إشارات الإنذار المبكر المشيرة إلى احتمال حدوث أزمة، أو لنقص معلوماتها حول موضوع الأزمة، أو عدم استيعاب المعلومات بدقة أو الخطأ في تفسيرها وتداخل الرؤية، أو تبني الجهات المعنية توقعات خاطئة تفقدها السيطرة عليها، أو أن الحدث توالى بأسرع مما يستطاع ملاحقته، ويظل سوء التقدير والتقييم أكثر أسباب نشوء الأزمات، خاصة في حالة الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بدعوى التفوق، واتخاذ أساليب ارتجالية عشوائية قد تنجم عنها أزمة أكبر.

يظهرنا كل هذا على أهمية العناية بالتنمية البشرية التي هي عصب الجهاز الحكومي، وضرورة وجود إدارات متخصصة على مستوى عالٍ من التدريب لإدارة الأزمات في رئاستي الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، بل وفي كل وزارة، ولا أعنى بالوجود مجرد الوجود الشكلي كما هو حاصل في الدوائر الحكومية حاليًا، وإنما الوجود القائم على العلم والخبرة والوعي بطبيعة العمل، عبر جعل التخطيط للأزمات جزءًا مهمًا من التخطيط الاستراتيجي للدولة، وإيجاد نظام إداري متخصص يتمتع بالقدرة على اكتشاف طبيعة المشكلات، ويعمل على تحليلها ووضع الحلول لها، وتدريب موظفي الإدارة على العمل تحت الضغوط عبر برامج تدريبية مكثفة وورش العمل، ليتعلموا أساليب إدارة الأزمات وكيفية التعامل معها وحلها. وفي البلدان المتقدمة يلجأ من بيدهم الحل والربط إلى أسلوب علمي عملي، لتنشيط العاملين في إدارات الأزمات ووضعهم في حالة استعداد دائم، عبر محاكاة أزمة وخلقها ومتابعة تفاعل العاملين معها، فهم لا ينتظرون وقوع الأزمة ليتعاملوا معها، لكنهم يلجأون إلى استباقها بالمحاكاة الحية، لتدريب العاملين على الاستعداد والوقاية واكتشاف الإشارات الدالة عليها، بهدف تجاوزها وحلها أو على أسوأ الفروض التقليل من آثارها.

إن أي إدارة - على ما يذهب جيري سيكيتش في كتابه «كافة المخاطر» - لا تختبر اختبارًا جيدًا إلا في مواقف الأزمات ولا بديل لوجود أشخاص أكفاء لديهم خبرات عالية يمكنهم التصرف بسرعة وجدارة لإيجاد حلول جذرية لحل المشاكل الناتجة عن الأزمات، وبدون إدارة أزمات واعية وأفراد أكفاء قد تتحول الأزمة إلى كارثة يصعب تصور نتائجها. فهل نعي حجم المشكلة ونعمل على إعداد الكوادر المؤهلة، لنتخطى أزمات كثيرة نحن في غنى عن بلاويها؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف