التحرير
محمود سامى
المستحيل ليس «ليفربولى»
إن كنت من عشاق أو متابعى الكرة الإنجليزية فأنت حتمًا تعلم شيئًا فى غاية الأهمية عن العريق ليفربول، ألا وهو أنهم لا يعترفون بمصطلح المستحيل، فهم أثبتوا -وما زالوا يثبتون- أنهم ملوك العودة فى النتائج في مباريات أقر جميع المشاهدين بخسارة ليفربول الحتمية واستحالة عودتهم بالنتيجة بعد مشاهدة الوجه القبيح لليفربول فى الشق الأول من المباراة ولكن إن وجد فريق لكرة القدم باستطاعته إظهار وجهين فى قمة التباين بين الروعة والقبح فى نفس المباراة، فبالتأكيد هو ليفربول.
تختلف أسباب هذا التباين، من أخطاء تكتيكية تتسبب فى استقبالهم لأهداف، ومع إصلاح تلك الأخطاء يستطيعون العودة بشكل مذهل، أو أخطاء فردية يستطيع اللاعبون أنفسهم تجاوزها مع مرور المباراة والعبور بها إلى بر الأمان.
ولكن المؤكد والذى يعلمه عن ظهر قلب جميع عشاق هذا النادى العريق هو ما جاء على لسان القائد التاريخى لكتيبة سحق المستحيل ستيفين جيرارد: «فى ليفربول يبدو أننا نستمتع بجعل الحياة أكثر صعوبة على أنفسنا».
والآن سنحاول استعادة ذكريات 4 من المباريات التى جسدت سحق ليفربول للمستحيل فى القرن الـ21:

* نهائى إسطنبول:
هو أشهر المباريات التى شهدت العودة بالنتيجة فى تاريخ كرة القدم الحديث.



باختصار شديد بدأ الميلان المباراة مستغلين رسما تكتيكيا على شكل 4-4-2 الماسة مستخدمين الفنان بيرلو فى قاعدة الماسة للتحكم فى المباراة، وبوجود ثنائى لمساعدته فى ذلك على طرفى الماسة سيدورف وجاتوز، وبوجود البرازيلى الرائع كاكا على رأس الماسة، وذلك لاستغلال البطء والقلة العددية لخط منتصف ليفربول، والذى كان يتكون من رباعى يلعب على خط واحد، مما أفقده العمق لمواجهة خط منتصف الميلان، فلم يستطع ثنائى عمق الميدان لليفربول جيرارد أو الونسو بأى شكل احتواء خطورة كاكا السريع والمهارى.





وأدى إلى سهولة إمداد خط منتصف الميلان للثنائى الهجومى الرائع تشيفيتشينكو
وكريسبو بالكثير من الفرص السهلة للتهديف والتى استغلت بأفضل شكل ممكن ليخرج الميلان متقدمًا فى شوط المباراة الأول بثلاثية نظيفة.



تلك الثغرة التكتيكية الكبيرة فى ملعب ليفربول دفاعيا منعت ليفربول من تأديتهم الشق الهجومى لخطتهم والذى كان يعتمد على استغلال خلو أطراف ملعب الميلان إلا من الأظهرة، مالدينى يسارًا وكافو يمينًا للعب الثنائى جاتوزو وسيدروف متمركزين لحماية ظهيرهم الربعى بيرلو، وذلك عن طريق استخدام زيادة عددية على الأطراف، مستخدمين لويس جارسيا وفينان يمينا، وتراورى وريزا يسارا، بالإضافة إلى إعطاء حرية فى الحركة لهارى كيويل لعمل زيادة عددية على أى من طرفى الملعب حسب احتياج اللعبة.
تلك الزيادة العددية على الأطراف والتى كانت من المفترض أن تجبر ثنائى منتصف ميدان الميلان جاتوز وسيدروف للخروج من مناطقهم المركزية إلى أطراف الملعب لمساندة أظهرههم الدفاعية أمام الزيادة العددية للاعبى ليفربول من على طرفى الملعب، مما سيجعل بيرلو وحيدًا بلا أى حماية لتقدم جيرارد من الخلف، والذى يتفوق على بيرلو فى القوة والسرعة بشكل كبير.
بين شوطى المباراة قرر بنيتز التدخل بعد ما شاهد فريقه ينهار تماما بسبب المشكلة التكتيكية الكبيرة بملعبه.

الشوط الأول



فقرر الدفع بالعائد من الإصابة ديدى هامان ليلعب كمحور ارتكاز ثان بجوار الونسو لفرض سيطرة أكبر على تحركات الرائع كاكا خلف خط منتصف ليفربول وتغير الرسم الخططى إلى 3-4-2-1 بفرض رقابة أخرى فى الجهة الأخرى من الملعب على مخرج الشوط الأول بيرلو عن طريق إحاطته بالثنائى جيرارد ولويس جارسيا، وهو الشىء الذى أدى إلى عزل قاعدة ورأس الماسة، منتصف ملعب الميلان، مما منع خطورتهم بشكل كامل.



حل المعضلة التكتيكية فى ملعب ليفربول الشوط الأول بتغييرات بنيتز.
الشوط الثانى
ساعدهم بشكل كامل على على تنفيذ الشق الهجومى من توجههم للمباراة وهو استغلال أطراف الملعب الفارغة بملعب الميلان لإجبار طرفى الماسة لخط منتصف الميلان جاتوزو وسيدورف بالتخلى عن تمركزهم والتوجه إلى أطراف الملعب لمساندة أظهرههم الدفاعية.



مما سيؤدى إلى فقد بيرلو للحماية من منتصف ملعبه وتركه مكشوفا لتحركات القادم من الخلف جيرارد.

ذلك التوجه الذى ساعد ليفربول على إحراز 3 أهداف وتعديل النتيجة فى أقل من 15 دقيقة ليصنع لنفسه طريقا نحو بطولته الخامسة لدورى أبطال أوروبا عن طريق ركلات الترجيح.

(ملخص المباراة)



* دورتموند.. ربع نهائى الدورى الأوروبى:

فى ليلة من ليالى الإنفيلد الصاخبة استطاع ليفربول بالتخصص أن يرينا وجهه القبيح فى الشق الأول من المباراة قبل أن يعيد إلى أذهاننا ذكرى ليلة إسطنبول بسيناريو مشابه جدا، فببساطة استطاع كلوب بحرفية شديدة صنع مشكلة تكتيكية كبيرة بملعب فريقه أسفرت عن ثلاثة أهداف لدورتموند قبل أن يتدخل هو نفسه ويقوم بحلها.



فتخلى كلوب عن الرسم الخططى الذى اتخذه فى مباراة الذهاب 4-3-3 والذى مكنه من اقتناص تعادل إيجابى ثمين بهدف لمثله، وليس ذلك فقط، بل وتخلى عن التوجه الدفاعى أيضا للفريق عن طريق إغلاق عمق الميدان على لاعبى دورتموند بثلاثى وسط ليفربولى.



بالإضافة إلى استخدام الرائع صاحب المجهود الوفير ميلنر فى مساندة مورينو الضعيف دفاعيا فى تغطية الجبهة اليسرى وهو ما خفف من الحمل الهجومى الملقى على ساخو فى قلب الدفاع وسمحل له بتوفير عمق وتمركز أفضل للدفاع لاحتواء سرعات خط هجوم دورتموند متمثلة فى أوبيميانج،



حيث قرر كلوب اللعب برسم خططى مختلف وهو 4-2-3-1، مستخدمًا ميلنر كبديل للرائع والقائد الحالى لليفربول هندرسون، صاحب التأثير الرهيب على مستوى الفريق



كمحور ارتكاز ثان بجوار إيمرى تشان، ولكن الأحداث السريعة للشوط الأول أبرزت فشل هذا التوجه، فلم يلتزم ثنائى الوسط لليفربول ميلنر وإيمرى بتوفير العمق

والحماية الكافية لخط دفاعهم



هو الشىء الذي استغله لاعبو دورتموند بأفضل شكل ممكن لإيجاد المساحات مرارًا

وتكرارًا خلف خط وسط ليفربول.

ذلك إضافة إلى فشل تلك الخطة فى توفير الحماية اللازمة للجبهة اليسرى لليفربول الضعيفة دفاعيا لضعف وعدم وعى مورينو الدفاعى وهو ما منع ساخو من توفير العمق الكافى لخط الدفاع لاحتواء سرعات

أوبميانج.



وهو ما استغله لاعبو دورتموند بأفضل شكل ممكن فى إنهاء الهجمات فى الشوط الأول



حتى ومع المحاولات الفردية لساخو لعمل عمق دفاعى بشكل فردى محاولة منه لاحتواء سرعات أوبميانج.

أدى ذلك إلى كشف مصيدة التسلل لفريقه والتى استغلها دورتموند من الجهة الأخرى ليحرز ريوس الهدف الثالث لدورتموند ليجعل ليفربول فى حاجة إلى تسجيل 3 أهداف فى 33 دقيقة متبقية من العمر الأصلى للمباراة.

ولكن بما أن المستحيل ليس ليفربولى فقد قرر كلوب التدخل لإصلاح ما أفسده طوال ما يقارب الساعة من عمر المباراة فدفع بالثنائى اللين وستوريدج ليحول الرسم الخططى إلى 4-4-2 على شكل الماسة



ليعود لإغلاق عمق منتصف ملعبه أمام دورتموند بثلاثة لاعبين وهم إيمرى تشان

وميلنر واللين ليحتوى خطورة لاعبى دورتموند بين الخطوط بشكل شبه كامل، بالإضافة إلى توفير اللين -بمساندة المتحرك أوريجى- الحماية لمورينيو على الجبهة اليسرى لليفربول، مما سمح لساخو بتوفير العمق اللازم بخط الدفاع لاحتواء سرعات أوبيميانج.

وهو ما سمح لليفربول بالسيطرة الكاملة على ما تبقى من عمر المباراة وصنع الفرصة تلو الأخرى، سواء من كرات متحركة أو كرات ثابتة ليسجل ليفربول 3 أهداف يسطر بها سطرا جديدا فى كتاب سحقه للمستحيل.



(ملخص المباراة)



* أوليمبياكوس دورى المجموعات بدورى أبطال أوروبا 2004/2005:

المباراة انتهت بفوز ليفربول بثلاثة أهداف بعد تأخرهم بهدف للأسطورة البرازيلية ريفالدو، ولكنْ فى حقيقة الأمر، إن ليفربول كان قد دخل تلك المباراة وهى المباراة الأخيرة فى دورى المجموعات وهو فى حاجة للفوز بفارق هدفين ليستطيع العبور كثانٍ لمجموعته ويصعد إلى دور ثمن النهائى لدورى أبطال أوروبا،

وبعد هدف ريفالدو المغاير لسير المباراة من ركلة حرة حصل عليها بنفسه قبل أن يودعها شباك ليفربول، لينتهى الشوط الأول بتقدم الفريق اليونانى بهدف نظيف، مما جعل ليفربول فى حاجة حتمية لتسجيل ثلاثة أهداف كاملة فى شوط المباراة الثانى.

وكعادة بنيتز قام بالتدخل بين شوطى المباراة ودفع بالشاب الفرنسى سيناما بونجول

والذى استطاع إحراز هدف التعديل بسرعة كبيرة مع بداية الشوط الثانى ليعيد ليفربول مرة ثانية إلى أجواء المباراة ويعطى الفريق الدافع المعنوى المطلوب لتحقيق المستحيل

ثم دفع بنيتز بمهاجم آخر وهو ابن النادى والمدينة ميللور والذى استطاع تسجيل الهدف الثانى لليفربول قبل 9 دقائق من انتهاء الوقت الأصلى للمباراة قبل أن يتدخل قائد كتيبة سحق المستحيل الرائع ستيفين جيرارد بإحراز أحد أجمل أهدافه على مر تاريخه

من تسديدة بعيدة المدى ليكون هدف التأهل لليفربول إلى دور ثمن النهائى من البطولة التى ظفر الفريق بكأسها فى نهاية المطاف.



(ملخص المباراة)



* ويستهام نهائى كأس إنجلترا 2006 «نهائى جيرارد»



فى نهائى الأخطاء الكارثية لخط دفاع ليفربول استطاع ويستهام التقدم على ليفربول بهدفين نظيفين فى ملعب الألفية بعد مرور 28 دقيقة من عمر المباراة، عن طريق وزير الدفاع كاراجير بالخطأ فى مرماه فى الدقيقة 21، ثم عن طريق استغلال مهاجم ويستهام آشتون لخطأ رينا الفادح فى الدقيقة 28 ليفرض على ليفربول الطريق الصعب لتحقيق البطولة، الطريق الذى دائمًا ما فضله ليفربول.



فبعرضية متقنة من الجهة اليمنى من القائد جيرارد إلى الفرنسى جابريل سيسيه على العارضة البعيدة استطاع سيسيه تسجيل هدف تقليص الفارق فى الدقيقة 32 ليعيد ليفربول مرة أخرى إلى أجواء المباراة.



وفى الشوط الثانى وتحديدا فى الدقيقة 52 استطاع جيرارد تعديل الفارق وتسجيل هدف التعادل لفريقه ليؤكد انتفاضة الفريق وأنه الآن أصبح المفضل للقب.



ولكن كعادة ليفربول لم يكتفوا بحجم الإثارة والرعب الذى عاشه جماهيرهم فى رحلة العودة من التأخر بهدفين إلى التعادل، فبخطأ فردى جديد من حارس ليفربول رينا استقبل ليفربول هدفا ثالثا من كرة عرضية من الظهير الأيسر لويستهام كونشيسكى وجدت طريقها مباشرة إلى مرمى رينا.



ذلك الهدف، والذى كان من المفترض أن يطفئ حماس لاعبى ليفربول ويغير أفضلية التفوق 180 درجة من ناحية ليفربول، خصوصًا بعد عودتهم الرائعة بالنتيجة إلى تقدم جديد لويستهام وبنفس الطريقة وهى

الأخطاء الفردية الفادحة للاعبى ليفربول وهو الشىء صاحب التأثير السلبى بالطبع على كل من ينتمى لليفربول فى الملعب، لأنه يعيدهم إلى نقطة الصفر، ليس فقط فى النتيجة، بل أيضا من الناحية النفسية، ولكن أثبت التاريخ أن ذلك النادى يستمتع بمثل هذه المواقف، فعاد جيرارد من جديد فى الوقت المحتسب بدلا

من الضائع وعلى الرغم من إكماله المباراة مصابا، بكتابة ذلك النهائى باسمه الشخصى عن طريق تسجيله أحد أهدافه بعيدة المدى والتى لن تمحى من ذاكرة أى من المهتمين بالكرة الإنجليزية من هذا الجيل ليقود ذلك الهدف المباراة إلى ركلات الترجيح والتى انتهت لصالح ليفربول ليسطر ليفربول سطرا جديدا فى

كتاب خرقهم للمستحيل، سطرا جديدا بخط قائدهم الأسطورى ستيفين جيرارد



(ملخص المباراة)



عندما تسمع «لن تسير وحدك أبدا» تهز أرجاء أكبر ملاعب أوروبا من جمهور ليفربول العاشق لكيان ناديه.. عندما تراهم لا يتوقفون عن الصياح والغناء فى تناغم تام حتى مع تأخرهم فى النتائج، ستعرف سر عدم معرفة ذلك النادى لمصطلح «المستحيل».

لو عرفت أى شىء عن ليفربول قطعًا هو أن المستحيل ليس «ليفربولى».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف