فيتو
عماد صبحى
ملائكة «الرشوة»
"أي خدمة تاني يا باشا.. حمد الله على السلامة يا باشا".. عبارتان سمعتهما من 15 عاملاً وممرضًا أثناء إجراء زوجتي جراحة بسيطة بشكل مفاجئ في أحد المستشفيات مؤخرًا، كانت العبارتان مقدمة لطلب الإكرامية أو المعلوم أو "الرشوة" بدون عمل أنجزوه أو خدمة قدموها، وبحسبة بسيطة إذا أعطيت كل واحد منهم 20 جنيهًا في المتوسط، فأنت مضطر لدفع 300 جنيه "إكراميات" فقط، المشكلة أن هؤلاء يلقون عليك الكلمة ويقفون منتظرين في "تباتة" بحيث تصبح في موقف يصبح فيه عدم الدفع نوعًا من قلة الذوق، المشكلة أيضًا أنهم يريقون ماء وجههم لدرجة يصبح معها الدفع إجباريًا.

قائمة الحاصلين على الإكراميات بدأت من العاملة التي حملت الأوراق واصطحبتنا حتى توصيلنا للدور الذي تقع به الغرفة محل الإقامة، ثم العاملة التي أدخلتنا إلى الغرفة التي سنقيم بها، مرورًا بالعاملة التي جهزت سرير الغرفة ثم الرابعة التي نظفت حمامات المياه والزبالة، وليس انتهاء بالعاملة التي جهزت زوجتي واصطحبتها إلى منطقة العمليات.

قبل دخول زوجتي غرفة العمليات رأيت مشهد اصطفاف العمال أمام ذوي مريضين كانا خارجين للتو من العمليات في منطقة الإفاقة في انتظار الإكراميات، وأدركت أنني بصدد استحقاق إلزامي لا مفر منه، فخرجت من المستشفى –أثناء خضوع زوجتي للجراحة- وحصلت على أكبر قدر من "الفكة" من العملة الورقية فئة العشرة جنيهات، وقمت برصها في جيبى بطريقة "الكوتشينة"، خارج أسوار المستشفى كان هناك وجه آخر للواقع المؤلم، ذلك أنني لكي أنقل سيارتي من الجانب المواجه إلى نفس رصيف المستشفى، كان عليّ أيضًا أن أدفع مرتين لأولئك البلطجية الذين احتلوا الأرصفة وقسموها فيما بينهم وكأنهم امتلكوها واشتروها وسجلوها باسمهم ويجبرونك على دفع الإتاوة.

الطريف أن الموظفين في كل المواقف التي يضطر فيها ذوو المرضى لدفع المعلوم، يستدعون بعضهم بطريقة احترافية وبدون أن يشعر أحد لحضور وليمة الدفع الإجباري، حدث هذا في منطقة الإفاقة خارج غرف العمليات، فقد استيقظت زوجتي من "البنج" لتجد ستة أشخاص يقفون في مصفوفة هندسية بديعة على رأس التروللي، بالإضافة إلى اثنين من موظفي الأمن وعامل الأسانسير وآخرين ينتظرون الإكرامية -وحسب وصفها الساخر- شعرت أن الله أرسل لي كل هؤلاء الملائكة.

في طريق العودة إلى الغرفة، كان مسلسل نزيف "دفع الإكرامية" مستمرًا، مع أشخاص جدد يظهرون بعد إجراء الجراحة، ولا تتسع المساحة هنا لذكرهم، بالطبع هناك في هذا المشهد بعض الملامح المضيئة، منها أن الممرضة التي سحبت عينة الدم لم تدلِ بأى إيماءات أو إشارات لطلب إكرامية، وإنما أدت واجبها وانصرفت في سرعة غير معتادة دون تلكع أو انتظار، كما أن ممرضة الشيفت المسائي المختصة بحقنتي المضاد الحيوي بعد العملية رفضت بإصرار تلقي أي إكرامية.

هذا السلوك السرطاني القميء يتكرر في أماكن أخرى كثيرة، في المطار الذي يمثل واجهة للبلد، وفى الأماكن السياحية، مع المسافرين والقادمين، المصريين والأجانب، بطريقة مزعجة ومثيرة للاستفزاز، وباستخدام العبارات نفسها والأسلوب الممنهج.

لو أن مدير أي منشأة في هذا البلد سواء مطار أو مستشفى أو غيره، قرر توقيع عقوبة الخصم على أي موظف بسبب ضبطه متلبسًا بتلقي إكرامية من زائر، وأعلن أمام الملأ أن هناك كاميرات سرية في كل مكان –حتى لو على سبيل التخويف والترهيب– وعلق القرار في مدخل الجهة التي يرأسها أو في لوحة الجزاءات، فهذا يكفي لكي يفكر كل العاملين والموظفين ألف مرة قبل أن يقدموا على مثل هذا السلوك المشين.

هذا البلد لن تقوم له قائمة طالما يستشرى فيه الفساد بهذا الشكل، وإذا كنا نسعى لبناء مصر "الخربانة" علينا أن ندرك أن كل محاولات النهوض بالبلد ولإعادة إيقافها على قدميها لن تفلح في وجود هذا الفساد الفاجر، وأن تجريمه والقضاء عليه بلا هوادة أو رحمة مع كل مرتكبيه، لا يقل أهمية عن مشروع قناة السويس الجديدة أو بناء شبكة الطرق أو العاصمة الإدارية الجديدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف