الأخبار
مصطفى محرم
مصر والمصريون القنبلة
شاءت الظروف أن أذهب الي منطقة وسط البلد لقضاء أمر من الأمور.. وعندما اقتربت بي السيارة من دار سينما راديو المهجورة منذ أكثر من عشر سنوات وجدت زحاماً من الناس عند مدخل ممر بهلر. لم يكن زحاماً غفيراً ولكن كانوا يقفون حسب الاصطلاحات المرورية في نهر الطريق.

ظننت في أول الأمر أنها بداية لمظاهرة حيث لمحت بعض أفراد الشرطة يحيطون بالواقفين. علي الفور أخرج سائق سيارتي رأسه من النافذة وبدافع الفضول الذي لديه يسأل أقرب الواقفين إليه عما يحدث. استطعت أن أدرك من خلال الإجابات التي وصلت إلي أذني أن هناك قنبلة فإذا بي أصيح في عصبية واضطراب بالسائق بأن يسرع ويغادر المكان علي الفور. وعندما تباطأ في تنفيذ أمري نهرته مرة أخري وطلبت منه أن يتوقف بالسيارة بعيداً.

غادرت السيارة واتجهت علي الفور في قلق واضطراب إلي المبني الذي أقصده والذي كان بالضبط في قلب الحدث. بصراحة كدت أتراجع وأصرف النظر عن هذا الامر الذي جئت من أجله والذي قد يهدد حياتي إذا صح قول الناس بأن هناك قنبلة ولكني دلفت بسرعة إلي داخل المبني.

قضيت ما يرقب من النصف ساعة حيث أنهيت ما أتيت من أجله. وفي أثناء هبوطي درجات السلم عاد القلق يساورني مرة أخري.. ماذا يكون الحال لو انفجرت القنبلة أثناء مغادرتي للمبني؟. بصراحة مطلقة كدت أتراجع وأصعد مرة أخري ولا أغادر المبني إلا بعد أن أيقنت بأن أمر هذه القنبلة قد إنتهي. بصراحة مرة أخري خشيت أن أصبح عرضة لتندر أهل المكان الذي كنت فيه إذا ما عدت إليهم خائفاً. وتوكلت علي الله علي أمل أن يكونوا قد انتهوا من أمر هذه القنبلة.

عندما وجدت نفسي في الشارع فوجئت بوجود عدد غفير فعلاً هذه المرة من الناس ربما يقترب من الألف. وجدت سائق سيارتي يقف أمام المبني الذي غادرته فتوجهت علي الفور إليه وصحت به مستنكراً وقوفه في خضم هذا الخطر ولكن تجاهل استنكاري وأخبرني علي الفور بتفاصيل الحدث، فقد عثروا علي ثلاث قنابل في عربة لبيع سندويتشات الكبدة تركها صاحبها بالليل بعد أن انتهي من عمله.. وأشار لي السائق علي مكان العربة وهي الناحية اليسارية من ممر بهلر من ناحية شارع سليمان باشا وأن خبير المفرقعات قد أتي وهو الآن يقوم بعمله.

زاد عدد أفراد الشرطة وقد أحاطوا بالمكان الذي يقوم فيه ضابط المفرقعات بعمله. كانت العيون كلها متجهة ناحيته. وجدت نفسي أحاول أن أري هذا الضابط. حاولت أن أجد لنفسي طريقا بين هذه الجموع.

سار سائقي خلفي يحاول ان يثنيني خوفاً عليّ ولكني واصلت الاختراق حتي استطعت أن أري الضابط علي بعد عشرة أمتار تقريباً وقد ارتدي الزي الواقي وهو يعمل بحرص ودقة. كان الصمت يخيم علي الجميع وكأن علي رءوسهم الطير. كان الناس قد أصبحوا مجرد عيون.. مجرد نظرات تتطلع إلي الضابط وهو منهمك يؤدي واجبه.

كان الأمر بالنسبة لهم ولي وكأن هذا الضابط هو من أقربائهم وقريب لي نخشي جميعاً علي حياته لم يعد هناك خوف من القنابل الثلاث، أصبح الخوف فقط علي حياة هذا الضابط الذي تنساب روحه بين أصابعه التي يعمل بها. ثم ما لبثت أن سمعت صوت انفجار. لم يكن صوتاً مدوياً.. كان أقل من صوت انفجار إطار سيارة. سمعت الناس يصفقون والبعض يشرحون لمن حولهم بأن هذا الصوت كان لتفريغ الهواء من القنبلة بعد نزع ما يتهددها بالانفجار أو إبطال مفعولها. وعلمت أن هذه كانت القنبلة الثانية ولم يتبق إلا الثالثة. وبدأ الرجل يعمل في الثالثة فأطبق الصمت مرة اخري علي الواقفين وساد الترقب نظراتهم ونظراتي. لم أعد أشعر بالخوف مثلهم من أن تنفجر القنبلة. الخائف لا يقف هكذا هادئاً أمام الخطر. ولسنا جميعاً في وقفتنا هذه جبناء فالجبان إذا أحس بالخطر فإنه يسارع بالفرار بعيداً عما يهدد حياته. أصبحنا جميعاً واقفين ننتظر ان ينتهي هذا الضابط من القنبلة الثالثة حتي نطمئن عليه.

وفجأة سمعنا الصوت الذي سمعناه من قبل فأخذ الناس يصفقون ووجدت نفسي أصفق معهم. لم ينصرف الناس إلا بعد أن خلع الضابط الزي الواقي واتجه إلي السيارة وخلفه عساكره يحملون القنابل الفارغة.

عدت أنا الآخر إلي سيارتي ومعي السائق وعندما دخلت الي السيارة سألت السائق إذا كان قد شعر بالخوف من انفجار إحدي القنابل الثلاث. فأخبرني في صدق وبساطة بأنه كان خائفاً فقط علي الضابط خبير المفرقعات. وجعلتني إجابة السائق أفكر متعجباً وتساءلت بيني وبين نفسي.. هل هناك شعب مثل هذا الشعب لا ترهبه القنابل ويقف في مواجهتها دون خوف؟. عندئذ أدركت أن هؤلاء الإرهابيين لن يستطيعوا أن ينالوا من هذا الشعب وأن قنابلهم إنما هي فقط دخان في الهواء.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف