الأخبار
اللواء أ.ح.سيد غنيم
مصر صانعة الحضارة أم أسيرة الاحتلال ؟!
هل كانت مصر دولة قوية صانعة للحضارة وأيقونة حضارات العالم كما تعلمنا، أم كانت دولة ضعيفة أسيرة احتلال كل من هب ودب؟
سؤال أثاره المشككون خاصة الداعين لإسقاط الدولة الحالية كدولة (قومية) بغض النظر عن حضارتها وثقافتها لإعادة إنشائها كدولة (عقائدية) تعمل بشرع الله، من منطلق أن الوطن وحضارته ما إلا تراب عفن يتعارض مع الدين وشرائعه.. فالوطن بالنسبة لهم لم يكن يوماً ساحة للحضارات التي يخلقها الإنسان علي أرضه وفي ذاكرة تاريخه، والإنسان لم يخلقه الله ليجعل من نسله شعوباً وقبائل يتعايشون من خير أوطانهم وتقومهم دياناتهم، ولا ليتعارفوا ولا ليحب بعضهم بعضاً.. بل ليتناحروا!! فلا يتبادلون الثقافات أو يمزجونها ولا يطورون من أنفسهم ولا ترتقي بهم حضاراتهم وأوطانهم!!.
ألم يعلموا أن الدين وسيلة أنزلها الله في كتبه تمتلك الشرائع التي تهذب العلاقة بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان والناس من حوله، وبين الإنسان وحياته التي يعيشها في مجتمع متكامل.. فالدين بشرائعه قد خُلق لإضافة قيم فاضلة للإنسان صانع الحضارات وليس للصراع بين الثقافات.. أما الحضارة فهي نظام اجتماعي يصنعه الإنسان ليعينه علي زيادة إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أهمها الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، وكافة العلوم والفنون والآداب.. وتبدأ الحضارات وتتعاظم مع تقليص التهديدات والإضطرابات، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف تحررت في نفسه دوافع التطلع والإبداع والإنشاء ليمضي في طريقه إلي فهم أوسع للحياة ولكيفية ازدهارها.
ومن ثم عُرفت القوة العسكرية بأنها أداة العنف المشروعة التي تستخدمها الحكومات حالة تعذر الطرق السلمية الأخري في تسوية خلافاتها، وقد تؤدي القوة العسكرية دوراً حاسماً لاستقرار الأمن الداخلي للبلاد، حماية للشعوب والأوطان وسعياً لاستقرار الحضارات وازدهارها، ولم تكن يوماً القوة العسكرية أداة تحركها الأديان للقضاء علي الشعوب وحضاراتها.
ورداً علي التساؤل الذي يردده المشككون وبنظرة سريعة عبر الزمن، نجد أن عمر مصر حوالي 6415 سنة منهم 4400 سنة قبل الميلاد، وخلال الـ2750 سنة الأولي حكم مصر (14) أسرة مصرية خالصة قوية، وهي التي مهدت لحضارات العالم أجمع، فأسسوا الدولة المصرية القديمة بحضارتها الفرعونية العظيمة بكل مواردها الاقتصادية ونظمها السياسية وتقاليدها وفنونها وعمارتها وآدابها، وكونت أول وأقوي جيش نظامي يحمي أراضيها وشعبها وحضارتها.. فأصبحت مصر (القوي العالمية الوحيدة) بعلمها وثرواتها وقوة مؤسساتها وجيشها، مما جعلها عدوا وجب هزيمة إرادته ومواطن قوته واستغلال مكتسباته وثرواته خوفاً من طغيانه وسيادته للعالم كله منفرداً.. فتعلم العالم من حضارتها وقلدها استعداداً لغزوها.. ولم تهدأ مصر لحوالي 3500 سنة بعدها.
ففي عام 1650 ق.م غزاها الهكسوس وحكموها من الأسرة الـ(15) إلي الأسرة الـ(17).. إلي أن أتي أحمس الأول وطرد الهكسوس ممهداً لحكم أقوي ملوكها منهم «تحتمس وتوت عنخ آمون وحتشبسوت وأخناتون ورمسيس وأبناؤه» حيث أنزل الله فيها سيدنا يوسف وسيدنا موسي عليهما السلام وقت عز قوتها اعتباراً من الأسرة الـ(18) وحتي الـ(20) ولحوالي خمسة قرون.. ولم يهدأ لكهنة مصر بال حتي كونوا الأسرة الحاكمة الـ(21) متاجرين بالدين لتضعف ثانية وتسقط تحت احتلال الأشوريين والفرس حتي ما بعد الأسرة الـ(30) في تاريخ مصر القديم.. ليدخلها اليونانيون فالرومان والبيزنطيون، صادفها بدء التاريخ الميلادي بنزول المسيح عليه السلام، تلاه سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم).. ثم دخول العرب مع الفتح الإسلامي لمصر، والذي تلاه الاحتلال العثماني «باسم الدين» مرة أخري، والذي تخلله الاحتلال الفرنسي ثم البريطاني.
فنجد أن مصر كانت قوي عالمية لحوالي 3250 سنة مقابل حوالي 2650 سنة وقعت تحت الاحتلال علي فترات، أما الخمسة قرون المتبقية فقد أُنهكت مصر خلالها من آثار الحروب والمؤامرات الخارجية، ومن حكومات وأنظمة رديئة ما بين فاسدة وفاشلة داخلياً.. وقد عانت دول كثيرة ومنها دول عظمي من الاحتلال أيضاً منذ قدم التاريخ.
وبالرغم من تعرض مصر للغزوات والاستعمار والاستبداد والهجرات إلا أنها دامت في حدودها المعروفة لآلاف السنين، وفي المقابل اختفت دول وقامت دول واندمجت دول وانقسمت دول، لتبقي مصر حاضرة بكل مشاكلها الأزلية.
مصر كانت دولة عظمي صانعة لأعظم حضارات العالم ولكن أنهكها أعداؤها وحكامها وشعوبها.. أنهكها أعداؤها من الخارج طمعاً في حضارتها المتمثلة في ثرواتها ومقدراتها وفنونها وآدابها وآثارها وفي موقعها الاستراتيجي، كما أنهكها أعداؤها في الداخل طمعاً في السلطة.. ندعو الله أن نعود كما كنا لتعود مصر كما كانت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف