الأهرام
علا مصطفى عامر
لن أنشر صورة أمى
هناك مواقف وأحداث كانت تمر علينا صغارا مرور الكرام، نتقبلها كما أرادها لنا واضعها .. ننفذ طائعين مستسلمين نفس رد الفعل الذى يفعله مثلنا فى نفس اللحظة ملايين.
اليوم يوم حب أو عيد للأم والطقوس لن تخرج عن شراء أفرع ورود ملونة أوأحد العروض الذهبية للحلل والأدوات المنزلية، والأهم طبعا أن ينطلق صوت فايزة أحمد بأغنية ست الحبايب من كل أركان المحال التجارية، وطبعا الجديد أن ننشر صورة " ماما " على الفيس بوك ومعها كلمات منتقاة عن الأم اللى سهرت وربت واتحملت وصبرت، والكل يعمل لايك وشير ويقول: ربنا يخلى ست الكل رمز الخير، أو ينشر الصورة ومعها شريط أسود وإستدعاء مؤلم للذكريات والكل يدخل يواسى ويعزى مؤكدا أن الأم بالجنة !
لقد فكرت قليلا خارج صندوق المناسبات ـ وأدعوك أن تفعل مثلى إن شئت ـ فوجدت أن الشعور بالأم أصبح مثل كثير من المشاعر فى حياتنا.. طقوس نمطية وتصرفات إستعراضية، وصدقونى فلا أغانى فايزة ولا شادية ولا اللايكات الفيسبوكية ولا الأجهزة الكهربائية هى ماتنتظره أى أم قررت بكل حب أن تخوض تجربة الأمومة ورحلة التربية طواعية، سعادة الأمهات فى إبنة بارة تخفض لها جناح الذل، كما تخفض صوتها وهى تتحدث معها، ولا تشيح عنها بوجهها لأن حديثها لا يناسب عصرها، ولا تصمت كثيرا فى حضرتها لأنها مشغولة بالشات مع أقرانها، تحرص على أن تودعها بابتسامة وتستقبلها بابتسامة وتحكى لها تفاصيل يومها وتسألها عن إحتياجاتها، وسعادة الأم فى ابن تزوج ولم يجعل زوجته قِبلة له، يزور أمه ولا يتذرع بالانشغالات وضيق الأوقات، لايمر يوم دون أن يحادثها تليفونيا وإذا مرضت فهو تحت قدميها يخفف عنها الآهات، وإذا أصطحب أولاده للمصيف تذكر أن لهم جدة تفرح كثيرا بالصحبة.
من منا فكر بدلا من المشى مزهوا ببوكيه الورد الكبير أو الكرتونة المغلفة بالسوليفان أن يراجع تفسير آيات البر والإحسان، وأن يقرأ شيئا عن جريمة إسمها ( أف ) ذكرها القرآن، أو أن يسأل شيخ ماهى الأعمال التى يصل ثوابها للميت وكيف يكون البر متصلا لمن وارت التراب ؟
أعلم أن الكثيرين يكرهون ما أقول وأن الكثيرين سقطوا أسرى السطحية الإستعراضية ليس تجاه الأم فقط وإنما تجاه الحب والزواج أيضا، مع أننى أرى أن الإستعراض لن ينفع ولكن الأغلب أنه يضر، أذكرأن زملاء دراسة كانوا يصابون بإغماءات من شدة الحسرة والانهيارات لأنه ليس فى البيت من يشترون لها الورد، ففى الوقت الذى تفرح أنت فيه ويعلو صوتك بالغناء فهناك من يعلو بسببك صوته بالبكاء، مايتاح لك ربما حُرم منه غيرك فاجعل حبك ومشاعرك فى بيتك، وكن واثقا أن البر ليس له عيدا وأمهاتنا ينتظرن منا الحب والاهتمام والاحترام وربما الهدايا فى كل الأيام، كفانا أقوال ونشر صور على الفيس بوك وأحلى كلام، انظروا إلى الواقع وتحرروا من عبودية المناسبات التى ربما تصلح لمن لم يجد منهجا دينيا يرسم له بدقة كيف تكون فى حياتك أروع العلاقات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف