الكورة والملاعب
عبد الرحمن فهمى
بوزو.. ملهم اللاعبين!
كان الرجل الذي يتجول ببطء في ميدان فينيسيا قصيرا ممتلئا وخط الشيب فوديه.. يبدو كأنه استاذ جامعي.. أو دبلوماسي يزور المدينة الخالدة.. أو مايسترو شهير.. أو ربان محنك.. ولم يشك أحد ممن رأوه أنه أعظم مدير كرة في إيطاليا وأنه يحمل رأسه علي كفيه وهو يتحدي أقوي ديكتاتور حكم إيطاليا.. موسوليني!
ولكن فيتوريو بوزو مدير منتخب إيطاليا الدولي لكرة القدم كان يمر بمرحلة حرجة من مراحل حياته.. فقد كان يتحدي موسوليني.. فعلا!!
وكان موسوليني يعتبر الفريق الأهلي لكرة القدم رمزا للسيادة الوطنية ودليلا علي سمو الجنس الإيطالي.. بينما كان بوزو يعتبره مجرد.. فريق كرة قدم.
وعلي اريكة امن المخمل القرمزي جلس موسوليني كأنه أحد أباطرة روما القدامي ليقول لبوزو "أريد أن يشترك الفريق الإيطالي في العرض يوم الجمعة.. يجب أن تكرمه نظير خدماته للوطن".
وبرقة ولباقة يرد بوزو "لا داعي لذلك.. فسيتعبهم الحفل وهم مقبلون علي مباريات كأس العالم الشاقة".. ويصمم الديكتاتور علي رأيه.. ويصمم ملهم اللاعبين علي رأيه.. هو الآخر!
وتختفي ابتسامة موسوليني ويصرخ في وجه بوزو "إني آمرك".. ويرد بوزو في هدوء "سيكونون هناك.. في طابور السير المضني.. ولكن مع مدير غيري.. فإني أدير ما استطيع التحكيم فيه"!
وأطل الغضب من عيني موسوليني وهو يصرخ "حسنا يا سنيور بوزو.. ولكن فليساعدك الله إذا لم تحصل لي علي كأس العالم"!
وحتي تلك الحلقة من حلقات الصراع المتصل بين الديكتاتور والمدير.. لم ينقذ بوزو سوي أنه لم يكن هناك في كل إيطاليا من يستطيع أن يقود الفريق الإيطالي إلي النصر سواه!
فإلي جانب عبقريته في التوجيه والتكتيك والإدارة والتدريب والتخطيط كانت له قدرة هائلة علي إلهام لاعبيه!
تغييرات.. هادفة..
وكان بوزو يمتاز بجرأة هائلة.. وروح تجديد هادفة تنشد أفضل سبل الفوز.
وفي مستهل الثلاثينيات كان مبعودو الجماهير الظهيرين روزينا وكاليجاريس ومتوسط الدفاع بيرنارديني.. وما كان أحد ليجرؤ علي مسهم ولكن بوزو كان يمتاز بجرأة هائلة فاستغني عنهم كانوا لاعبين كلاسيكيين.. وكان بوزو يريد تطعيم الفريق بدم جديد يؤمن بالتكتيك الحديث للعبة.. فضم إلي الفريق مونتي الذي لعب للأرجنتين في كأس سنة 1930 الذي كان قد انتقل من نادي اليوفنتوس الإيطالي -بدلا من برنارديني.. ووضع مونريجليو واليماندي في خط الظهر.. ولم يكن الثلاثة ملائكة.. بل عرف عنهم الميل إلي العنف.. ولكنها الحرب.. حرب كأس العالم سنة 1934 التي يريدها موسوليني بأي ثمن!! والتي يريدها بوزو ليثبت جدارته ولتؤيده في موقف التحدي الذي اتخذه من موسوليني!
كان الفريق الذي أعده بوزو عظيما وأن لم يكن أعظم فريق في العالم ولكن شخصية بوزو كانت تكمل كل نقص فيه.
وقد فاز الفريق الإيطالي في الدور قبل النهائي علي المجر بمعجزة وبهدف يتيم.. ووقفت تشيكوسلوفاكيا تسد الطريق نحو الكأس المرجوة.. ونحو إثبات تفوق "الجنس الأعلي"! وكان مسرح مباراة نهائي كأس العالم يزخر بالأعلام الفاشية وخوذات الجنود اللامعة.. ثم دخل موسوليني قبل بدء المعمعة دخول الغزاة الرومان.
ولكن التشيك دخلوا الساحة دخول المنتصرين هم الآخرون! لم يفت في عضدهم كل.. تلك المناظر!!
وغزا التشيك عرين أسد روما بهدف ماكر أرسله بوك الجناح الأيسر في مكان لا يخطر علي بال كومبي حارس المرمي البهلواني الحركات في الدقيقة السبعين!
وصمت أحفاد الرومان!
وقالت دقات قلب بوزو.. "إن الحياة دقائق وثوان"!! وقبل النهاية بثماني دقائق أزاح "أورسي" جناح أيسر الطليان الغمة عن بوزو وزملائه وآلاف الطليان في الملعب وملايينهم خارجه وسجل هدف الصعداء خدع أورسي المدافعين.. ثم مكر ببالانيكا حارس المرمي التشيكي وأصلح الكرة كمن سيقذفها بيسراه ولكنه أرسلها بيمناه ماكرة لولبية.. ليرقص بوزو.. ولتهتف الآلاف.. ولتعود البسمة إلي شفتي موسوليني!
وفي الديقة السابعة من الوقت الإضافي أثبت شيافيو متوسط الهجوم أن الطليان.. من جنس أعلي!
وقدم موسوليني المنتفخ الأوداج الكأس إلي كومبي كابتن الفريق الإيطالي.
وكان موسوليني قد قرر أن يلف الفريق الإيطالي الملعب محاطا بحرسه الخاص.. ولكن أفراد الفريق هرعوا إلي مهندس النصر وصانعه.. السنيور فيتوريو بوزو.. ليحملوه علي أعناقهم وليدروروا به حول الملعب.. ولتختفي الابتسامة من علي شفتي الديكتاتور!
فقد كان بوزو ساعتها أقوي من الديكتاتور.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف