صباح الخير
محمد هيبة
الصحافة القومية.. إلى متى ستظل الابنة غير الشرعية؟
فى لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع رؤساء تحرير الصحف القومية والمستقلة منذ أكثر من عام قال الرئيس بحزم وحسم وصرامة إنه عار علينا أن نبيع مؤسساتنا الصحفية، إعلامنا الرائد مهما كانت الظروف.

ويبدو وبلا مبالغة أن رئيس الجمهورية يفكر ويعمل فى واد.. والحكومة أيا كان رئيسها ومن يمثلها تعمل فى واد آخر معاكس تماما لرؤية الرئيس الذى هو أعلى مسئول فى السلطة التنفيذية.
فقد أرسلت د. غادة والى وزيرة التضامن عدة خطابات إلى المؤسسات الصحفية القومية ومنها روزاليوسف تطالبها بسداد المستحقات التأمينية المتأخرة منذ أكثر من 30 عاما تقريبا وحتى ما قبل 25 يناير 2011، وذلك خلال 30 يوما وإلا فسوف تضطر الوزارة إلى اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضدها ومنها اتخاذ جميع إجراءات الحجز الإدارى لجميع المقومات المادية والمعنوية للمؤسسات وحجزها للمدين لدى الغير تحت وزارة التربية والتعليم والمالية وجميع البنوك.. وكذلك إيقاف إصدار شهادات تسيير السيارات واتخاذ اللازم نحو الإحالة للنيابة المختصة لعدم سداد اشتراكات حصة العمال المستقطعة من رواتبهم طبقا لأحكام المادة 243 من قانون العقوبات.. وأخيرا.. إن د. غادة والى تستطيع حبس رئيس مجلس إدارة المؤسسة حيث تعتبره خان الأمانة.
والحقيقة أننا للمرة المائة بعد الألف نفتح ملف الديون السيادية للمؤسسات الصحفية وهى الضرائب والتأمينات بالتحديد.. وهى ديون تتراكم منذ أكثر من ثلاثة عقود تقاعست فيها الوزارات المعنية والهيئات المختصة عن تحصيل هذه المديونيات وتركتها تتزايد وتتراكم إلى صورة أصبح من المستحيل سدادها، خاصة أن فوائدها وصلت لخمسة أضعاف أصل المديونيات.. وأيضا تقاعست فيها قيادات هذه المؤسسات عن سداد هذه الالتزامات نظرا للأوضاع المالية والإدارية والصحفية التى كانت تسوء عاما بعد عام، وذلك إرضاء للنظام والحكومات المتعاقبة وحتى تنعم هذه القيادات برضا النظام الحكام الذين كانوا يسبحون بحمده جميعا.. وللأسف فقد سقط النظام وسقطت توابعه وعلى المؤسسات الصحفية وحدها أن تدفع الثمن.. كأنها ابنة غير شرعية للنظام والدولة.
وللأسف ما فعلته غادة والى بإرسال خطابات الحجز على المؤسسات الصحفية لن يكون الأول ولن يكون الأخير طالما أنه ليس هناك حلول جذرية لحل أزمة هذه الديون السيادية.. فللأسف منذ ثورة 25 يناير وهذا الملف مفتوح دائما.. ودائم الانفجار.. فقد قام الوزير أحمد البرعى وزير التضامن فى حكومة د. حازم الببلاوى بتجميد أرصدة مؤسسة روزاليوسف لدى وزارة التربية والتعليم. لمدة سبعة أشهر فى عام 2013 وقبل سقوط الإخوان مما أدى إلى عجز المؤسسة عن الوفاء بالتزاماتها المادية والمعنوية.. وقبلها أيضا كانت سياسة الإخوان الذين وصلوا للحكم فى أوائل 2012 هى تكسير عظام المؤسسات الصحفية وإغلاقها وبيعها أو دمجها.. ورغم قيام ثورة 30 يونيو وبالقضاء على مخطط الإخوان للتخلص من الصحافة القومية إلا أن الحكومات المتعاقبة والوزارات المعنية التى توالت بعد ذلك وقعت فى نفس الفخ وسارت على نفس نهج الإخوان فى أسلوب الضغط على المؤسسات الصحفية ومحاولة إغلاقها أو بيعها فى مزاد علنى وفاء لتلك المديونيات السيادية.. والخطاب الذى أرسلته غادة والى إلى المؤسسات الصحفية الأسبوع الماضى لم يكن الخطاب الأول.. بل فعلت ذلك بعد أن تولت مسئولية الوزارة بأسبوع عندما تولى إبراهيم محلب الوزارة فى فبراير 2014.
نفس المشكلة تحدث بمعدل شهرى مع وزير المالية د. هانى قدرى منذ تولى الوزارة فهو يقوم كل شهر بخصم 25% من مستحقات روزاليوسف لدى وزارة التربية والتعليم وفاء لضرائب ومديونيات منذ الثمانينيات ومنذ التسعينيات.. بالله عليكم ما ذنب المؤسسات والقيادات العاملة عليها فى تسديد مديونيات لم يكونوا السبب فيها على الإطلاق ولا ناقة لهم ولا جمل فيها.. ولماذا لا تعامل مؤسسات روزاليوسف ودار الهلال ودار المعارف بنفس معاملة الأهرام والأخبار والجمهورية التى قام د. يوسف بطرس غالى بتجميد مديونياتها من الضرائب فى عام 2007 على الرغم من أن المؤسسات الثلاث الأولى هى الأشد احتياجا.. والأشد فقرا بالقياس إلى المؤسسات الأخرى.
الشيء الثالث والأهم الذى أحب أن أذكره هو أن الدولة مشكورة تقدم دعما للمؤسسات الصحفية القومية وصل إلى مليار و 200 مليون جنيه خلال الـ 20 شهرا الماضية، وذلك حتى تستطيع هذه المؤسسات الوفاء بالتزاماتها وأنشطتها الصحفية والإعلامية التنويرية والثقافية.. إلا أنه فى المقابل نجد أن هذا الدعم يقدم باليمين ثم تأخذه الحكومة بالشمال وفاء لمديونيات الضرائب والتأمينات، فمثلما قلت من قبل تقوم وزارة المالية بخصم 25% من مستحقاتنا لدى وزارة التربية والتعليم وإحدى المؤسسات الزميلة حصلت على دعم من المجلس الأعلى للصحافة قامت بتحويله إلى وزارة التضامن تسديدا لجزء من مديونيتها لدى التأمينات الاجتماعية.. إذن حكاية الدعم الذى يقدم للمؤسسات هو وجه واحد للحقيقة وليس الحقيقة كلها.
لقد طالبنا وأكدنا بدل المرة مائة مرة.. بل ألف أن حل مشكلات الديون السيادية للمؤسسات الصحفية لن تحل إلا بإلغاء هذه الديون بالكامل وهذا لن يتم إلا بقانون وتشريع.. وكان الأولى أن يقوم بإصدار هذا القانون وهذا التشريع رئيس الجمهورية وقت أن كان المستشار عدلى منصور رئيسا مؤقتا للجمهورية.. ثم جاء الرئيس السيسى الذى ربما فضل أن يترك ذلك إلى مجلس النواب بعد انتخابه.. وللأسف فإن الفرصة الوحيدة لإنقاذ المؤسسات من مهزلة الديون السيادية المتكررة هو أن يكون هناك نص تشريعى صريح فى قانون الإعلام الموحد المزمع تقديمه للبرلمان بإلغاء هذه الديون تماما حتى تتحرر المؤسسات من تلك القيود الحديدية التى تكبلها وتعيق انطلاقها نحو صحافة حرة وتنويرية تعمل لصالح المجتمع ومكتسبات الشعب وفق ما قرره دستور 2014.. ووفق الهدف الذى قامت من أجله تلك الصحافة القومية. •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف