صباح الخير
محمد عبد الرحمن
رؤوف توفيق.. تكريم رجل مهم
قبل التتر
فى الخطابات السياسية تحتاج لأن تكشف أولا عن نوايا المصفقين قبل أن تفرز من يصفق عن حب ومن يصفق مطبلا، فى ليالى التكريم لن تقع فى هذه الحيرة أبدا، فلا أحد يصفق لمُكرم إلا عن حب وتقدير واحترام.

مشهد 1 - ليل داخلى
الحدث هو افتتاح الدورة الرابعة والستين لمهرجان المركز الكاثوليكى للسينما، المهرجان الذى يحظى باهتمام كبير من الفنانين والسينمائيين ومتابعى الفن بشكل عام رغم أنه مهرجان محلى يعتمد على أفلام تم عرضها طوال العام الماضى ويختارها على أساس أخلاقى نظرا لطبيعة الجهة المنظمة، نفس «ستايل» هذا المهرجان يتكرر عدة مرات من جهات أخرى على مدار العام، لكن يظل للمهرجان الكاثوليكى طابع خاص ومكانة متميزة فى قلوب محبى السينما المصرية، ربما لأنهم يشعرون بصدق منظميه فيما يفعلون، كما أنهم الجهة الوحيدة حاليا التى لاتزال تؤرشف كل ما يكتب عن الأفلام المصرية منذ 6 عقود وأكثر، كما أن القائمين على المهرجان وخصوصا الأب بطرس ليسوا كباقى إدارات المهرجانات المصرية، تراهم فقط فى الافتتاح والختام وما بينهما، لقد تحول المركز الكاثوليكى إلى راع لكبار النجوم خصوصا الغائبين عن الأضواء، وداعم للوجوه الجديدة الذين ينتظرون إشادة وطبطبة على الكتف من أجل الاستمرار، والأهم أن هيعرف حقا من يكرم، يؤمن المركز الكاثوليكى بأنه يستمد قيمته من قيمة المكرمين ومحبة الجمهور لهم، كان طبيعيا إذن أن تنطلق موجات تصفيق بصوت الحب لأبرز هؤلاء المكرمين، الناقد والسينارست الكبير رؤوف توفيق.
مشهد 2 - ليل داخلى - نفس المكان حيث قاعة الاحتفال.
ظروف صحية منعته من الظهور على خشبة المسرح، معظم من جاءوا من أجل حضور لحظة التكريم لم يروا ملامح وجهه التى تعكس سعادة ورضا بالحدث الجليل، عاد رؤوف توفيق سريعا لمقاعد المتفرجين حيث الصف الأول فى قاعة المركز الكاثوليكى، دون أن يقرأ هذا التعليق الذى كتبته قارئة ومتابعة عبر فيس بوك، كتبت نصا على منشور يحمل صور التكريم «جزاه الله كل الخير عن زوجة رجل مهم.. هذا الفيلم يكفيه».
هل يمكن أن يكفى فيلم واحد أو اثنان ليكونا دليلاً على إبداع الكاتب أو المخرج أو السينمائى بشكل عام، غالبا فإن رؤوف توفيق أجاب بنعم منذ البداية، قال نعم للسينما الجميلة الصادقة المعبرة التى تقول لا، كان بإمكان رؤوف توفيق أن يستغل مكانته الصحفية المرموقة منذ نهاية الخمسينيات، أن يستفيد من مناصبه فى مجلة «صباح الخير»، وينتج ما يريد من أفلام ومسلسلات وهو يعلم أن زملاءه وتلاميذه قد يتغاضون عن أى ثغرات تنتج كلما غلب الكم الكيف، لكنه اختار أن يحفر أسماء أفلامه فى ذاكرة الجمهور على قلتها، وجعل فيلم مثل «زوجة رجل مهم» قادراً على الحياة لعقود طويلة، خصوصا فى بلد لا تزال فاشلة فى إقناع هذا «المهم» أنه ليس كذلك، أفلام أخرى نالت دعاية أكبر فى هذا الاتجاه مثل «هى فوضى» واعتبرها البعض بسبب ضعف الذاكرة المؤشر الأهم لما يجرى فى جهاز الشرطة، رغم أن شخصية «هشام أبوالوفا» هى الأساس، رغم أن الفيلم ترك علامة لا تنسى فى مشوار كل من شاركوا فيه، تكرر الأمر فى «مستر كاراتيه» و«مشوار عمر» الذى تذكره الكثيرون بعد وفاة ممدوح عبدالعليم، ليس ذنب رؤوف توفيق إذن أنه قدم أفلامًا قليلة، الذنب يقع على شاشات تعيد وتزيد فى أفلام معينة لا ترى غيرها، وجمهور مازال محروما من أن يرى تراثه السينمائى كما يجب.
ما سبق ربما يفسر حجم التصفيق الذى تزامن مع لحظة التكريم، لكن سبباً آخر للحماس الكبير يأتى بعد قليل.
مشهد 3 - فلاش باك - مسرح الهناجر 2002
ألتقى المخرج على إدريس للمرة الأولى لإجراء موضوع صحفى، يعلم أننا من مجلة «صباح الخير»، يرسل تحياته للأستاذ رؤوف توفيق ويقول لى نصا إنه أحب أفلاما عالمية كثيرة دون أن يراها، لأنه قرأ عنها فى كتب رؤوف توفيق، وأن هذا الناقد الذى يكتب من مقاعد المتفرجين عنده قدرة على أن يجعلك ترى الفيلم وهو يكتب عنه، موهبة كان لها مذاق خاص فى عصر ما قبل اليوتيوب، وفى زمن لم يكن فيه السينمائيون الشباب قادرين على السفر للمهرجانات لمشاهدة الأفلام والتعلم منها، لم يكن لهم إذن إلا كتابات رؤوف توفيق.
مشهد 4 - فلاش باك - مقر إحدى مجلات السينما 2002
يمر اسم الأستاذ رؤوف توفيق فى حوار مع مسئولة تحرير بالمجلة، تبدى امتعاضا يدهشنى بشدة، هذه أول مرة أجد شخصا غاضبا من رؤوف توفيق، السبب أنه كان عضوا فى لجنة سيناريو رفضت نصا سينمائيا لها، معظم صحفيى ونقاد السينما الشباب يحلمون مبكرا بأن ينتقلوا إلى خانة «السينارست»، طبعا لم أقرأ السيناريو ولم أحدد وقتها لماذا ظلمها توفيق حتى تشعر بالغبن إلى هذا الحد وبأنه أثر على مشوارها كمؤلفة، لكن اللجان لن تنتهى وإذا كان توفيق منع تنفيذ نص سينمائى لها فأكيد ستذهب إلى لجنة أخرى واللى جاى أكتر من اللى راح، مضت على هذه الواقعة 12 عاما، لم تر هذه الزميلة شباك التذاكر مؤلفة قط، فيلم وحيد حمل اسمها وذهب مباشرة لشاشة التلفزيون ونسيها حتى أبطاله، لكننى على يقين من أنها لاتزال مقتنعة بأنها مظلومة.
مشهد 5 - ليل داخلى - خارج قاعة المركز الكاثوليكى
السر وراء أصوات التهليل والتصفيق الموازية لمحبى السينمائى رؤوف توفيق، هناك خارج القاعة انتظره القوام الرئيسى لمجلة صباح الخير فى فترة توليه المسئولية من 1994 وحتى 2003، هذه المجموعة كانت تصفق لتوفيق الإنسان والزميل ورئيس التحرير مع تقديم جميع الاحترام لمشواره السينمائى والنقدى، لهذا عندما قدموا له هدية تذكارية لم يكتبوا عليها «من مقاعد المتفرجين» وإنما «لا يصح إلا الصحيح» عنوان مقاله السياسى الذى كان يفتتح به المجلة فى سنواتها الذهبية، كيف كان يختار رؤوف توفيق عناوين مقالات لا تخرج من الذاكرة؟ إجابة السؤال فى أول مشهد فلاش باك فى هذا السيناريو، إذا كان القارئ يرى الفيلم من خلاله، فأكيد لن يصعب عليه نحت عنوان مقال يرتبط باسمه كما ارتبط به «زوجة رجل مهم».
مشهد 6 - ليلى خارجى - بلا نهاية
عبر السلالم المؤدية للشارع الذى يقع فيه المركز الكاثوليكى فى وسط القاهرة، لحظات السلام والمحبة توشك على الانتهاء لكن لا نهاية لحب كل هؤلاء لرؤوف توفيق الذى حصل فى ليلة التكريم على أقل بكثير مما يستحق، والذى أرجوه أن يغفر لى جرأتى فى كتابة الموضوع كسيناريو وأنا لا علاقة لى بهذا الفن على الإطلاق، لكنه استثناء من تلميذ يكتب هذا الكلام من مقاعد المحبين.•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف