الوفد
نادية صبحى
شوفها صح -عشرون دقيقة بين النور والظلام
وراء كل إصابة بإعاقة حكاية تدمى القلوب خاصة إذا ما تعلق الأمر بشاب مثل أحمد الذى اعتقدت أنه ككل من تحدثت معهم من الشباب فى مثل سنه، يعانى من تجاهل المجتمع لحقوقه الأساسية فى المسكن والرعاية الصحية وفرصة تعليم عادلة وفرصة عمل تعينه على بناء مستقبله، لكن أحمد الذى لم يكمل عامه السادس والعشرين، «قضية» إنسانية، اجتماعية، تمتد أبعادها لتغوص فى أعماق مآسٍ لا يشعر بها إلا ذو قلب عظيم، يبدو الشاب الفاقد لبصره واثقاً رغم يأسه، لديه ما يعينه على تحمل تفاصيل حادث أليم وقع له فى طفولته يحكيه كأنه يراه رغم مرور خمسة عشر عاماً يختار كلمات «أديب» عندما يذكر ذلك اليوم، فى مدرسته الابتدائية حينما تأخرت المدرسة عن دخول حصتها فنشبت معركة بين التلاميذ الصغار يبتسم كأنما يسخر من مصيبة إصابته أنا طول عمرى فى المدرسة ماليش أصحاب غير اللى جنبى وما بحبش ألعب مع العيال لكنى لاقيتهم بيضربوا بعض قمت أصلح بينهم فضربنى أحدهم على وجهى، لم أشعر بشىء يستحق حتى طلبى للمساعدة وذهبت إلى بيتى عشرون دقيقة كانت تفصلنى عن عالم الظلام الذى داهمنى وأنا أتناول الإفطار مع أبى حسيت إن نظرى بيروح شوية بشوية لغاية ما صرخت وقلت لأبويا أنا مش شايف الأكل واضطررت أن أحكى له ما حدث بالمدرسة، أسرع بى إلى طبيب عيون كبير بوسط البلد الذى أخبره أننى أصبت بانفصال شبكى يحتاج إلى جراحة عاجلة باع أبى اللى وراه واللى أمامه على جراحتى وعلاجى المستورد، وأكد له أننى بحاجة إلى جراحة أخرى بالليزر وأن أسرع بها، الغريب أننى فى فترة النقاهة رأيت مرة أخرى أذكر ذلك اليوم جيداً وقد استيقظت على نور الشمس شعرت بفرحة لم أشعر بها من قبل وأخبرت الطبيب الذى أكد ضرورة استكمال مراحل العلاج، وهنا بدأت مرحلة العذاب مع التأمين الصحى ثلاثة أشهر أتردد يومياً على مستشفى الرمد بشبرا ويمر اليوم تلو الآخر دون أن يصيبنى الدور وعندما حان دورى وجاءت الساعة الموعودة جلست على جهاز الليزر وأنا باشوف وقمت وقد ودعت بصرى إلى الأبد، لقد حدث ضمور بالعصب البصرى، لم أحاول البحث عن علاج، ورضيت بما أصابنى، ورفضت كما رفض والدى أن نحمل والد التلميذ الذى ضربنى أية مسئولية مادية أو قانونية لأنى لم أرد أن أؤذيه لكنى تعلمت شيئاً لو لاقيت اتنين بيموتوا بعض مش هتدخل قالها وهو مبتسم كأنه يقوللى ماتصدقيش أنا قلبى طيب، لكن الدنيا قاسية جداً عليّ كل أحلامى لم تتحقق، حتى تعليمى لم أكمله لأن الظروف كلها كانت ضدى فخرجت من الجامعة دون أن أحصل على شهادتى وارتضيت بالعمل ميكانيكى تكاتك رغم أن معى لغات عديدة علمها لى والدى الذى يحتفظ بمكتبة هائلة فى بيتنا رغم أنه لم يحصل على أى شهادة لكننا نعشق المعرفة بالفطرة، كان نفسى أكون عالم زى الدكتور زويل، كان نفسى أطير فى كل بلاد الدنيا أتعلم وأتعلم وأضيف إلى عمرى حياة أكثر رحابة مما أنا فيها، لكنه قدرى والحمد لله على كل شىء!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف