الأهرام
اللواء محمد ابراهيم
مصر والآخرون والمصالحة الفلسطينية
لم ولن تزعجنى مطلقا الأخبار المتعلقة بالاجتماع المزمع عقده بين كل من حركتى فتح وحماس فى العاصمة القطرية الدوحة من أجل استئناف جهود المصالحة الفلسطينية، فلا يمكن لأى منصفٍ أو حتى حاقدٍ إلا أن يقف مشدوها وممتنا للدور الذى قامت به مصر ـ ومازالت ـ فى القضية الفلسطينية بصفة عامة ومسألة المصالحة بصفة خاصة فمصر بتاريخها وتضحياتها وجهودها المتواصلة تخرج عن دائرة التقييم فى هذا الأمر فلا يمكن لمصر أن تبحث عن دور تقوم به، بل إن الدور هو الذى يبحث عن مصر حتى يكون دورا ذا ثقل.

من المهم أن نتناول بعض الحقائق التى تعكس حجم الجهود المصرية المبذولة فى المصالحة مقارنة بأى جهود أخري: إن سيطرة حماس على قطاع غزة تمت فى 24 يوليو 2007 أى أن الانقسام الفلسطينى سوف يدخل عامه التاسع بعد شهور قليلة، ولا يخفى على أحد أن مصر كانت أول دولة تتحرك لإنهاء الانقسام لما تملكه من ثقل وعلاقات متميزة مع السلطة وجميع القوى والفصائل الفلسطينية، واسمحوا لى أن أتحدى وجود أى دولة فى العالم تمتلك مثل هذه العلاقة.

جمعت مصر جميع قيادات التنظيمات الفلسطينية فى القاهرة فى شهرى سبتمبر وأكتوبر 2008 وبلورت اتفاق مبادئ وحددت يوم 11 نوفمبر من العام نفسه لإطلاق المصالحة فى اجتماع شامل، إلا أن حماس رفضت الحضور وتم إلغاء الاجتماع بعد أن كانت جميع الترتيبات قد أعدت لعقده، وواصلت مصر جهودها ونجحت فى مارس 2009 فى عقد اجتماع لكل التنظيمات الفلسطينية وتم عقد اجتماعات مكثفة لمدة عشرة أيام متواصلة انتهت بالتوافق الفلسطينى على وثيقة مصالحة شاملة، إلا أن حماس رفضت التوقيع عليها فى حين وقعها السيد عزام الأحمد فى أكتوبر من العام نفسه نيابة عن الرئيس أبو مازن.

استمر وضع المصالحة معلقاً دون أى تقدم حتى غيرت حماس موقفها فجأة وأعلنت بعد ثورة 25 يناير ودون أى مقدمات موافقتها على وثيقة المصالحة وتم التوقيع عليها فى القاهرة فى الرابع من مايو 2011 وبحضور الرئيس أبو مازن وخالد مشعل وكل القيادات الفلسطينية وبعض السفراء العرب وممثلى المؤسسات الدولية المعنية، ومما كان لافتا للانتباه أن حماس وقعت على نفس الوثيقة التى سبق أن رفضت التوقيع عليها فى 2009 دون إدخال أى تعديلات عليها الأمر الذى أثار العديد من علامات الاستفهام حول من يتحمل مسئولية هذه السنوات الضائعة ولمصلحة من كانت كل هذه المماطلة.

من الإنصاف أن نشير إلى أن الوثيقة التاريخية للمصالحة التى وقعت فى القاهرة تميزت بأنها شاملة وواقعية وشارك فى بلورتها جميع الفصائل الفلسطينية ومعهم المستقلون كما حددت أن الإشراف على تنفيذها ميدانيا سيتم من خلال الجامعة العربية، وقد تضمنت الوثيقة معالجة حقيقية للمشكلات الخمس الرئيسية وذلك على النحو التالي: عقد انتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطنى الفلسطينى بشكل متزامن، وتشكيل (حكومة ـ هيئة) من حركتى فتح وحماس وبعض الفصائل للإشراف على ترتيبات المصالحة والانتخابات وإعادة الاعمار فى قطاع غزة. وتكون الأجهزة الأمنية الفلسطينية مهنية وحرفية وبعيدة عن الصراع الفصائلى وتقوم مصر وبعض الدول العربية بعملية التأهيل لعناصرها.

إذن فالوثيقة المصرية على هذا النحو لم تكتف فقط بتحديد مبادئ الحل وإنما دخلت بعد جهد وعناء شديدين فى تفاصيل دقيقة لتسوية كل آثار الانقسام الفلسطيني، ونظرا لتعطل جهود المصالحة وظهور الحاجة إلى تشكيل حكومة فلسطينية تتحمل المسئولية توصلت حركتا فتح وحماس إلى ما يسمى (إعلان الدوحة) فى مايو 2012 تم خلاله الاتفاق على تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة أبو مازن، ثم عندما تعثرت جهود تشكيل الحكومة تم التوصل إلى ما يسمى (إعلان الشاطئ) فى غزة فى أبريل 2014 أهم ما تضمنه هو التوافق على تشكيل حكومة توافق وطنى مهنية وليست فصائلية وتم اختيار الدكتور رامى الحمدلله رئيسا لها ولكنها لاتزال تواجه العديد من الصعوبات.

وفى ضوء ما سبق فنحن هنا أمام مرجعية رئيسية متكاملة وهى وثيقة القاهرة ومرجعيتين فرعيتين تضمنتا بعض الآليات وهما إعلان الدوحة وإعلان الشاطئ، ولاشك أننا أصبحنا نملك أوراقاً لا حصر لها حول مشكلات المصالحة وتأثيراتها وكيفية حلها بصورة تفصيلية وواقعية ولكن كانت مواقف حماس تمثل العقبة الرئيسية أمام وضعها موضع التنفيذ حيث حاولت أن تفرض شروطها المسبقة قبل إتمام المصالحة وهو ما أكد أنها لم تكن تملك الإرادة المطلوبة لإنهاء هذا الانقسام اللعين بل لجأت إلى تكريس سيطرتها وحكمها لقطاع غزة وأصبحت مسألة تخليها عنه أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلاً فهى تسيطر الآن وبشكل كامل على كل مناحى الحياة، خاصة على الأمن وعلى الأنفاق وعلى المناطق الحدودية مع مصر من جهة الجنوب ومع إسرائيل من جهة الشمال والشرق، ويظل السؤال المطروح هو هل ستتنازل حماس عن سيطرتها عن القطاع وهذا هو التحدى الحقيقى أمام المصالحة.

من المؤكد أن مصر لم ولن تنزعج يوماً من سعى أى دولة لتقديم أى نوع من المساعدات المادية إلى قطاع غزة بل وساعدنا فى إدخالها القطاع من معبر رفح (رغم أنه غير مجهز لهذا النوع من التعامل ومن معبر كرم أبو سالم)، وكان المبدأ الذى تبنته القيادة السياسية آنذاك يتمثل فى أننا لن نسمح مطلقاً بأن تتعرض غزة للمجاعة، ورحبت مصر مرارا بالأدوار السياسية الأخرى (المكملة) التى يسعى البعض للقيام بها مادام الأمر يتم بموافقة الرئيس أبو مازن ويصب لمصلحة الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية، ولكن فى الوقت نفسه كنا حريصين على التأكيد أننا لن نسمح لأحد بأن يعبث بأمننا القومى على حدودنا مع غزة وسنواجه هذا الأمر بكل ضراوة كما أكدنا أننا سوف نقف فى مواجهة أى مخططات لإنهاء القضية الفلسطينية التى نعتبرها قضية أمن قومى مصرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف