الأخبار
مصطفى محرم
قضية ورأي -التعليم الديني
أعتقد أنه لم يحدث جديد فيما قاله طه حسين وأن الخلاف مازال عظيماً في أي أمر من الأمور حيث يراه الأزهري علي شكل ما ويتصوره الشباب بشكل آخر.

نأتي الآن إلي الحديث عن نوع آخر من التعليم ولكنه يعتبر في رأيي وفي رأي كثير من المهتمين بأمور التعليم علي درجة كبيرة من الأهمية خاصة ما ينتج عنه من مشاكل وهو التعليم الديني. ولم يغفل طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» الحديث عن هذا النوع من التعليم بل أولاه عنايته واهتمامه فهو يقول: «وهناك تعليم آخر تشرف عليه الدولة ولا تشرف عليه. تشرف عليه لأنه خاضع آخر الأمر لسلطانها، ولا تشرف عليه لأنه مستقل في حقيقة الأمر استقلالاً عظيماً. وهو التعليم الديني، الذي يقوم عليه الأزهر الشريف وما يتصل به من المعاهد المنبثة في الأقاليم».
هذا التعليم رسمي وتشرف عليه الدولة لأنها تنفق عليه من الخرانة، ومن أوقاف المسلمين، ولأنها تنظمه بما يصدر من اللوائح والقوانين ولكنه كان إلي عهد قريب منحازاً عن الحياة العامة. وقد انصرف إلي نفسه وانصرفت الدولة عنه، ومضي في طريقه، لا يكاد يخضع لمراقبة ولا ملاحظة. وكانت صفته الدينية مازالت تحميه إلي حد بعيد من تدخل السلطان المدني.. وكان اقبال الناس عليه ومازال عظيماً، وهو بحكم طبيعته وبيئته، ومحافظة القائمين عليه وخضوعهم بحكم هذه المحافظة لكثير من أثقال القرون الوسطي، وكثير من أوضاعها، يصوغ التلاميذ صيغة خاصة مخالفة للصيغة التي ينتجها التعليم المدني.
أعتقد أنه لم يحدث جديد فيما قاله طه حسين وأن الخلاف مازال عظيماً في أي أمر من الأمور حيث يراه الأزهري علي شكل ما ويتصوره الشباب بشكل آخر. وقد يؤدي هذا إلي الصدام بين رأي كل منهما. ولا يتفقان في السيرة والعمل كما يقول طه حسين. وهو يري أيضاً أن هذا الصدام العنيف لم يحدث في زمنه حيث قامت النهضة الوطنية بالتخفيف من وطأته لأنها كانت أقوي من أسباب هذا الاختلاف حيث قامت بالتقريب بين المصريين ووحدت غاياتهم. ويري أن هذه النهضة قد رفعت من شأن الصحف ودفعت المصريين إلي قراءتها واتباعها وأخرجت هذه النهضة الكثير من الكتب التي قرأها المصريون علي اختلاف نزعاتهم. ولولا ألواناً من المحن التي داهمت المصريين حيناً ومن مواطنيهم حيناً آخر فأشركتهم في الألم وأشركتهم في طلب التخلص من هذا الألم «لولا هذا كله لكانت آثار الاختلاف في التعليم اشد خطورة وأشنع عاقبة مما هي الآن».
من خلال هذه الكلمات التي كتبها طه حسين ندرك بأن ما كان يحدث في الماضي مازال يحدث في الحاضر.. الا ان التجاوز والشطط في الفكر الديني قد بلغ مداه حتي عجز القائمون بالامر عن عمد او تجاهل عن التصدي لهذا التجاوز والادعاء بالابحار والتعمق في اصول ديننا الا اننا نري ان هذا الابحار والتعمق الذي يدعيه البعض لا يؤدي سوي الي التيه والبهتان في كثير من الاحيان.
لذلك يري طه حسين انه يجب ان يكون التعليم الديني الحقيقي جزءا اساسيا من مناهج التعليم العام وكذلك جزءا اساسيا من مناهج التعليم في المدارس الاجنبية بل أراه ايضا ان يكون مادة مهمة في التعليم الجامعي علي ان يقوم به اناس ممن نثق في علمهم ووسطية فكرهم.. وإذا نجحنا في تحقيق هذا فعندئذ ندرك بأننا قد نجحنا في الارتفاع بمقومات الوطنية المصرية.
ويدرك طه حسين في نفس الوقت بأن الناس يختلفون في آرائهم بالنسبة لهذا الاتجاه، فمنهم من يري ان يكون التعليم بوجه عام مدنيا دون ان يكون الدين شريكا في منهج التعليم علي ان يترك هذا الامر للاسرة وليس للمدرسة، ومنهم من يريد تعليم الدين في المدارس بكل انواعها وانه بمثابة الواجب مثل تعليم التاريخ القومي لأنه جزء منهم في تكوين الشخصية الوطنية.. ويناصر طه حسين الرأي الاخير حيث يقول: «وواضح جدا من هذا الرأي الاخير هو مذهب المصريين وأن من غير المعقول ان يطلب الي المصريين ان يقيموا التعليم العام في بلادهم علي اساس مهني خالص.. وان يترك تعليم الدين للأسر.. وإذن فلا ينبغي ان يكون هناك مصريون يخرجون من المدارس المصرية وقد تعلموا الدين القومي واللغة القومية والتاريخ القومي والجغرافيا القومية وآخرون يخرجون من المدارس الاجنبية وليس لهم من التعليم الدينيحظ ما ».
اذكر عندما كنت تلميذا في المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية كان يقوم بتدريس اللغة العربية وآدابها ومادة الدين لنا مدرسون من خريجي الازهر الشريف.. وكان هناك ايضا مدرسون من خريجي كلية الآداب قسم اللغة العربية.. والحق يقال ان المدرسين من خريجي الازهر كانوا يتقنون تدريس قواعد اللغة العربية اما بالنسبة للادب فلم يفلحوا في تدريس الشعر والنثر العربي حيث كان المدرسون من خريجي كليات الآداب يتفوقون عليهم في ذلك، كانت طريقة الأزهريين تتسم بالجفاف والجمود تماماً مثل طريقتهم في تدريس مادة الدين التي كانت طريقة تدريسهم لهذه المادة بأسلوب الوعيد والعقاب حتي جعلوا التلاميذ يكرهون هذه المادة. وربما يرجع الأمر إلي أن مادة الدين لم تكن مادة أساسية في المنهج الدراسي وهذا هو بالطبع الخطأ الجسيم.. وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف