الأهرام
أحمد أبو الدوح
حتمية تودد النظام للطبقة الوسطى
لم يخرج أحد فى ذكرى الاحتفال بمرور خمسة أعوام على ثورة 25 يناير لأن النظام السياسى استوعب الدرس جيدا. هذا الدرس هو أنه لا مجال للعبث فى مصر مع الطبقة الوسطى ومصالحها.

تتمثل هذه المصالح فى شبكة أمان اجتماعى واقتصادى تقوم على توفير وظائف فى سوق العمل الرسمية أو تلك السوق غير الرسمية التى تتحكم فى اقتصاد آخر مواز لبنية الاقتصاد الرسمى المعلن.رغم كل هذا العبء لا يستطيع أى نظام حاكم الابتعاد عن الطبقة الوسطى فى المجتمع.

تكمن عوامل الجذب بين الطرفين فى أن المصالح الاجتماعية والاقتصادية للطبقة الوسطى أو البرجوازية لا يمكن أن تتحقق إلا فى ظل أجواء يحكمها الاستقرار السياسى الذى يحلم أى نظام يحكم دولة تنتمى إلى العالم الثالث بالوصول إليه.

فى السابق حاول نظام مبارك على مدى ثلاثين عاما الرقص على حبال هذه المعادلة التى بدت عصية الفهم على رموزه. وجد مبارك أن عبء الفقراء قد يقف عائقا أمام تحقيق أى شكل من أشكال الاستقرار الذى يضفى شرعية على حكمه.

اكتشف من كان يفكر لمبارك أن لا حل سوى إطلاق يد الإخوان المسلمين الذين كانوا يبحثون فى هذه الأثناء عن ظهير جماهيري، فاتخذوا من هذه الطبقة المعدمة خلفية لعملهم السياسي.غض النظام الطرف عن تلك الممارسات أحيانا، ودعمها أحيانا أخرى عبر عقد صفقات مباشرة مع الإخوان مقابل تخفيف القبضة الامنية على قياداتهم، أو السماح لهم بممارسة القليل من العمل السياسى الباهت تحت قبة البرلمان.

فى المقابل قضى رجال مبارك وقتهم فى محاولة تجنب أى تحولات راديكالية بين صفوف الطبقة الأعلى مباشرة فى الهرم الاجتماعي. أدرك نظام مبارك أن الطبقة الوسطى التى تعانى كل الأمراض الاجتماعية التى قد تخطر على بال هى عمود استقرار نظامه، من ثم دأب فى بداية سنوات حكمه على الاستثمار فى استقرارها حتى وإن بدا شكليا.

سمح النظام لأبناء هذه الطبقة بالهيمنة على الفضاء السياسى والثقافى غير المؤثر. تدريجيا، صنعت هذه السياسة بالتوازى المشهد الإعلامى الذى امتلأ بالضجيج دون تغيير يذكر. نظر رجال مبارك للطبقة الوسطي، التى كان من المفترض أن تكون الرافعة الاساسية لأى تقدم محتمل، باعتبارها ظهيرا لطبقة عليا تعج برجال الأعمال، وتحتل مركزها أسرة مبارك نفسه.

ظل التنافس بين النظام والإخوان المسلمين قائما بينما استند الطرفان على خلفيتين اجتماعيتين عريضتين تنتظر كلتاهما العطايا أو الصدقات التى يجود بها الطرفان مقابل كسب الود وضمان الولاء.

تعلم نظام السيسى الدرس عندما أقدم على فك هذه المعادلة من جذورها وسمح للفقراء بالتحرر من سطوة الإسلاميين الذين لم يعد لهم تأثير سياسى على أحد. يعكف النظام الآن على رسم ملامح معادلة جديدة تحدد العلاقة بينه وبين الفقراء الذين تضاعفت أعدادهم على مدى خمس سنوات من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، ولملمة ما تبقى من تأثير خافت للدولة فى مناطقهم. لكن السيسى يجد نفسه أمام معضلة التعاطى مع الطبقة الوسطى التى يبدو رغم كل شيء أنها مستعدة لممارسة الدور الذى أضفاه عليها نظام مبارك نفسه.كانت دعوة المشير السيسى للمصريين بالنزول يوم 26 يوليو 2013 لمنحه تفويضا لمحاربة الإرهاب محورية.

أدركت الطبقة الوسطى فى مصر أنها ليست دعوة لقيام الجيش والمؤسسات الأمنية بواجبهم المقرر فى محاربة أى تهديد يواجه المجتمع.

كانت فى جوهرها دعوة لأكبر شرائح المجتمع المصرى للقيام بوظيفتها فى تثبيت دعائم الاستقرار فى المجتمع. استوعبت الطبقة الوسطىالرسالة وأبدت استعدادا لقبولها. على العكس يبدو أن أعمدة النظام ومؤسسات مهمة فى مصر هى التى لم تستوعب هذه الرسالة، إذ عادت بوادر التوغل الأمنى فى التعاطى اليومى مع المصريين للظهور من جديد، وبدأت انتهاكات الأمن مرة أخرى فى الانسحاب تدريجيا على أبناء الطبقة الوسطى.

قبل عهد الوزير حبيب العادلى، كان التعذيب فى السجون يجرى بحق بعض الفقراء والمتشددين الإسلاميين وربما أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. كان العادلى من السذاجة لا ينتبه إلى أنه تعدى الخطوط الحمراء حينما سمح بارتكاب هذه الممارسات بحق أبناء الطبقة الوسطى الذين أسرعوا إلى تنظيم أنفسهم فى كيانات معارضة كحركتى كفاية و6 أبريل لأول مرة.فى النهاية دفع مبارك والنظام والبلد كله الثمن عندما شعرت الطبقة الوسطى أن التهديد الأزلى لمقدراتها الاقتصادية وشح فرص العمل وإغلاق باب الترقى الاجتماعى والانحدار بدلا من ذلك إلى درجات أقل، تحول إلى تهديد لسلامة أبنائها الشخصية.

خرجت الملايين فى ثورة يناير لأن مصالح الطبقتين الفقيرة والوسطى التقت لأول مرة، بعدما تخلت الثانية عن السكوت على الانتهاكات بحق الأولي.بالطبع لا يريد السيسى أن يرى حدوث ذلك مجددا لأنه يعلم من جهة أنه ليس فى مصلحته ومن جهة أخرى يدرك عبر حسه الوطنى المتجذر فى نفس كل مصرى أن المرة القادمة قد تودى بمقدرات مصر بأسرها.

يستطيع الرئيس بحنكة أن يمنحك على الدوام شعورا بأن توغل أجهزة الامن فى السياسة والتشديد المبالغ فيه لقبضتها هو وضع مؤقت سيزول مع زوال تهديدات إرهابية واقعية، لكن ينبغى أن تعى الدولة أن الوقت قد لا يسعفها للوصول إلى ما تصبو إليه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف