الأهرام
رجب البنا
برلمان تحت الاختبار!
بعد ثورة عظيمة لم يحدث مثلها فى التاريخ، أثبت فيها الشعب أنه قادر على فرض إرادته مرة فى 25 يناير، ثم مرة أخرى فى 30 يونيو، ليستعيد بلده من جماعة قفزت الى الحكم فى غفلة من الزمان، بمساعدة أصحاب مخطط التدمير والتقسيم، بعد هذه الثورة العظيمة ينعقد مجلس الشعب وتنعقد عليه الآمال، وينتظر الشعب المصري، كما ينتظر العالم، ليري: هل سيكون معبرا فعلا عن ثورتى 25و30؟ أصحاب الأجندات الخفية يثيرون الشكوك فى أن يكون هذا هو برلمان الثورة، وليس هذا غريبا، فهؤلاء مهمتهم ودورهم التشكيك وزرع القلق والإحباط، ومحاربة كل برعم من براعم الأمل.

وحتى يكون مجلس الشعب الجديد أوفر حظا من المجالس السابقة، أن هذا المجلس وقد جاء بانتخابات شهد لها العالم بالنزاهة، فالمتوقع أن يعبر عن القيم الجديدة.. كرامة الشعب، وحريته، وحقه فى الحياة والمساواة والعدل، واحترام الدستور والقانون.. وهى القيم التى تتصل أولا وأخيرا بسلامة أسس النظام السياسى وصدق كفاءة وإخلاص القائمين عليه فى السلطات الثلاث، وأولها سلطة الشعب التى نرجو أن يعبر البرلمان عنها ويمارس عمله ملتزما بمصالح الشعب وحده، ويتخلى أعضاؤه عن مصالحهم الشخصية وعن الرغبة فى استعراض العضلات البلاغية والمناورات البرلمانية والمواقف العنترية، فالبلد لا يحتمل شيئا من ذلك، ولو حدث ـ لا قدر الله ـ كما يدعى المتشائمون، فسوف تهتز الثقة التى يوليها الشعب لهذا البرلمان ولأعضائنه.

ولا أظن أن أعضاء البرلمان يحتاجون الى من يذكرهم بأنهم يحملون مسئولية كبيرة وأمانة يحملها كل ذى ضمير، ومهمته الاساسية هى احترام الدستور، والالتزام فى كل قول وكل عمل بمصالح الشعب، والالتزام بالدستور ليس الالتزام بظاهر النصوص ولكن الالتزام أيضا بروح الدستور التزاما نابعا من الضمائر، وهذا هو حصن الأمان للبلد، وللنظام، وللقيم الجديدة التى فرضها الشعب بثورته.

وقد يكون التخوف من المزايدات، ومن مواقف البطولة الزائفة والاستعراضات القديمة، التى تدفع الى تعطيل انطلاق المجلس فى تحقيق أهدافه، من أجل أهداف ودوافع رخيصة لا يتقبلها الشعب.. وبالنسبة لى فأنا على يقين من صدق النيات وسلامة القصد لدى الأعضاء، الذى اختارهم الشعب بإرادته الحرة ووثق فى قدرتهم ووطنيتهم، ولهذا انتظر مع الملايين أن تكون الرقابة البرلمانية جادة وموضوعية وبناءة، وبعيدة عن دوافع الهدم والتجريح وهادفة للمصلحة العامة وحدها، وأن هذا المجلس لن يكون فيه من يخون الثقة ولن يحنث باليمين الذى أقسمه أمام الله وأمام الشعب، وسوف يمارس الرقابة الجادة القائمة على أساس الحقائق والدراسة المتعمقة وليست مجرد خواطر عابرة.

وعن دور المجلس فى التشريع، هناك مخاوف لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، من أن تلعب المصالح الفئوية والمصالح الخاصة دورا يعيد خطايا الماضي، ولكن هذه المخاوف يقابلها ثقة فى أن هذا الجيل الجديد من ممثلى الشعب قادرون على أن يكونوا صوت الشعب، وممارسة دورهم التشريعى بدقة ودراسة وافية لكل موضوع، وبعد مناقشات لكل جوانبه شكلا ومضمونا، وهذا ما يحتاج الى أسلوب عمل جديد لمساعدة الأعضاء على ذلك، بحيث يتوفر للعضو من المعلومات و،الدراسات ما يجعله يناقش كل تشريع وهو يعلم كل ما يتصل به من حقائق، وأتمنى ألا يحدث فى هذا المجلس ما كان يحدث فى المجالس السابقة من عرض أهم مشروعات القوانين لمناقشتها فى نفس الجلسة بحجة الاستعجال والضرورة، أو استخدام حكاية الالتزام للحصول على الموافقة تلقائيا وقبل المناقشة.

وما دام نظامنا السياسي، وتكوين المجلس، على أساس تعدد الأحزاب فإن تعدد الآراء من الأمور الطبيعية، مادام الهدف هو الوصول الى تحقيق مصالح الشعب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف