الأخبار
مصطفى محرم
الدولة والتعليم
يري طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» انه يجب علي الدولة وحدها ان تقوم بشئون التعليم بأنواعه كلها. ولكن هذا لا يعني الا يشارك من يريد ان يشارك من الافراد والجماعات بالجهد والمال لانشاء ما يمكن انشاؤه من انواع التعليم وفروعه. ويطالب طه حسين بأن تؤخذ الامور مأخذ الجد والحزم وان يكون تنظيما دقيقا والاشراف علي هذه الامور اشرافا قويا وملاحظتها متصلة لا تفتر ولا تني. ويري ان مصر مضطربة بين امرين كلاهما خطير: «احدهما: ان كثرة المصريين المطلقة لاتزال جاهلة جهلا مطلقا فلابد ان تقوم الديمقراطية بتعليمها. وبتعليمها علي النحو الملائم لاصول الديموقراطية وغاياتها.
والثاني: ان القلة المتعلمة من المصريين قد خضعت لالوان مختلفة من التعليم ونظم متباينة وبرامج ومناهج ينكر بعضها بعضا. ويصدم بعضها بعضا. ونشأ عن ذلك اضطراب له اثاره الخطيرة في حياتنا المصرية علي اختلاف فروعها والوانها.
وكأن طه حسين يعيش معنا في ايامنا هذه فلا تفوته ملاحظة ان هناك التعليم الرسمي المدني الذي تقوم به الدولة وهناك التعليم الاجنبي الذي قام بمصر وتكاثرت مدارسه. ويري ايضا ان اعدادا كبيرة من المصريين تتهافت علي تعليم اولادها في هذه المدارس. ويدرك ايضا مدي ارتفاع المصروفات التي تطلبها هذه المدارس فيقول: «رغم المصروفات الباهظة التي يدفعونها مما يجعل المرء يتعجب عندما يسمع الارقام التي تطلبها هذه المدارس، فهي ليست بالعشرات وليست بالمئات وانما بعشرات الالوف». وهنا وجدت نفسي اتذكر انني لم اكلف ابي منذ ان التحقت بالمدارس حتي انتهائي من التعليم الجامعي ربما ما لا يتجاوز المئة والخمسين جنيها من المصروفات المدرسية هذا بالاضافة إلي انني كنت في التعليم الابتدائي والثانوي اتناول وجبة الغداء مجانا بالمدرسة مع زملائي التلاميذ. كانت تلك الوجبة تتكون من احد انواع الخضراوات المطبوخة وقطعة لحم كافية وارز ورغيف خبز وثمرة فاكهة. كان الكل سواء يأكل ابن الوزير وابن الباشا مع ابن اصغر المواطنين شأنا.
انني اتساءل عن تميز المدارس الاجنبية علي المدارس المصرية رغم انهم لا يقدمون فيها حتي وجبة طعام للتلاميذ فهل يقتصر الامر علي تعليم اللغات الاجنبية واجادتها؟ لماذا لا يكون في مدارسنا هي الاخري اهتمام كبير باللغات الاجنبية مثلما كان يحدث في ايامنا حيث كنا بعد حصولنا علي شهادة الثانوية العامة نجيد اللغة الانجليزية واللغة الفرنسي، اما الآن فنحن نري للاسف ان خريج الجامعة لا يجيد حتي لغته العربية. ولكن طه حسين يواصل حديثه فيقول: «ويريد سوء الخط ان يكون هذا التعليم الاجنبي في جملته انفع واغني من التعليم المصري الرسمي، فيدفع المصريون اليه بابنائهم عن رضي واختيار، بل عن حب وايثار، وينتج عن ذلك ان الشبان الذين يخرجون من هذه المعاهد الاجنبية مهما يكن حبهم لمصر وايثارهم لها فإنهم يفكرون علي نحو يخالف النحو الذي يفكر عليه الذين يخرجون من المعاهد المصرية، بل هم يفكرون علي انحاء مختلفة، وتظهر نتائج هذا التفكير المختلف في حياتهم العملية اليومية، وفي تقديرهم للاشياء والحكم عليها».
ولذلك يري طه حسين ان من حق الدولة ومن الحق عليها ان تكفل لابناء المصريين تعلم لغة الشعب واتقانها فهي من اهم مقومات الشخصية الوطنية وهي وسيلة التعامل والحياة بين ابناء الوطن الواحد، وهو يطلب من الدولة: «ان تفرض علي المدارس الاجنبية التي تقوم في مصر تعليم اللغة العربية، وان تتعهد هذا التعليم بالملاحظة المتصلة، والتفتيش المستمر، والامتحان الدقيق، حيث لا يكون هذا التعليم اقرب إلي الهزل منه إلي الجد والي الخداع منه إلي النصح». وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف