الوفد
محمود الشربينى
استقيلوا يرحمنا منكم الله (٢)
قبل أن تقرأ(أو «تكفر» أنت أيضاً): كفر الأقصريون والأسوانيون بالثورة على عظمتها وأهميتها للوطن.. ونعتوها بأسوأ النعوت ووصموها بكل النقائص والعيوب. ليس معنى هذا انهم غير وطنيين.. مطلقاً.. بل هم مصابون فى سويداء القلب.. لقد «ضُرِبوا فى المليان» حتى نزفوا أغلى الدماء رخيصة بغير ثمن!
<<
< العائدون من الأقصر وأسوان بعد رحلة نيلية مذهلة فى رحاب بلد الحضارة.. تلك المدينة العريقة، درة التاج الأثرى المصرى.. ينقلون عن أهل هذه المناطق أنهم بلغوا الذروه فى «النزف» ولا أحد يستمع إلى أنينهم أو شكاواهم، وكأنها «شكاوى المصرى الفصيح «تبعث من جديد لكن هذه المرة ليس بقلم الروائي يوسف القعيد وانما بقلم الأقصريين والأسوانيين أنفسهم، الذين يستجيرون بالمصريين أن تنشط سياحتهم داخل بلدانهم، وان كانت لن تعوضهم ابدا نقص السياحة العالمية التى كانت ومازالت مصدر رزقهم الاساسي.. والتى «ضُرِبت» فى سويداء القلب منذ اندلاع ثورة يناير فى مصر وما واكبها من أحداث وحوادث!
< يتحدث العائدون من أسوان والاقصر عن مدي الاحساس بالألم والغبن من المصريين الذين ينعون مدينة شرم الشيخ ومجدها الضائع واملهم فى استعادة بريقها وتوهجها كدرة المدن السياحية فى مصر، ويتجاهلون مدينتى الاقصر وأسوان كدرتين للحضارة المصرية القديمة ومهبط الوحى الفرعونى والتلاقح الحضارى اليونانى الرومانى والقبطى.. قبل تحول مصر الى العصر المسيحى.
< كل مواطن فى هذه البلدان يبدو عارفا وواعيا وربما حافظا عن ظهر قلب لتاريخ المعابد المنكوبة سياحيا هناك. لو أنك سألت صبيا عن جانب من تاريخ هذه الآثار، التى تناهز ثلث آثار العالم لحكى لك كل الاساطير والحكايات القديمة، من اسطورة إيزيس التى ذهبت لتلملم أشلاء أوزيريس إلى الدموع التى ذرفتها فجادت علينا بنهر النيل!
< نحن فى رحاب عالم اسطورى فى هذه المناطق. عالم كان يدر دخلا معقولاً على السكان، وكان يتوقع أن يتزايد ويزدهر بعد ان كدنا نفرح بالثورة التى وضعتنا على السكة، فاذا بانتكاسة الثورة على أيدى نفر من هنا ونفر من هناك تصب فى خراب بيوتهم فلا بيع ولاشراء ولاتزاور ولا رحلات ولا مواسم سياحية ولا «دياولو».. فقط نعيق بوم وغربان يعشش فى كل الاماكن، وهموم يطرحها بعض العائدين من هناك، مغاربة وتونسيون ومصريون التقيتهم على ضفاف جلسة عربية كانت أسوان التاريخية حاضرة فيها، مثلما كانت مصر العربية حاضرة فيها بكل قوة، بعد انتصارها على الانتكاسة الإخوانية التى كادت تذهب بتاريخنا لتقدمه الى القاعدة وطالبان وداعش ليمزقوه ويحطموه كما يفعل هؤلاء الهكسوسيون الجدد اعداء الحضارة والتاريخ وابناء الجهل وانعدام الافق وسدنة الشياطين الذين لايتورعون عن طمس وتشويه وتكسير كل معالم الحضارة القديمة، من افغانستان الى العراق، والعين منهم على مصر.. التى يمزقهم انها شبت عن طوق الاخوان المفسدين مبكراً وانتصرت لحضارتها وتنوعها وتعددها وتاريخها الاسطورى الذي يليق بها.
< الأقصريون والسيناويون يشعرون بغبن شديد كلما تزايد تغنى المصريين بـ «شرم الشيخ» وتجاهلوا «الأقصر وأسوان»، ويستغيثون بالاعلاميين والكتاب والمثقفين، ويبحثون عن «جبهة نصرة» مصرية وطنية تدعمهم وتنصرهم، لا جبهة نصرة تماثل داعش وأخواتها، كما هى الحال فى سوريا المنكوبة بالجماعات المسلحة، وبالتحول الدراماتيكى المفاجئ فى التعاطى مع قواعد ظنناها مستقرة فى القانون الدولى تمنع التدخل بسفور فى الشئون الداخلية للدول، على غرار مانراه اليوم من دول شتى، تحلف بالمصحف وتقسم بالسيف، بأنه لابد من تغيير النظام السورى وأنه لامستقبل له فى أى تسوية جديدة!! مع أنه وبناء على هذا «الكسر» الذي نراه بوضوح للقانون الدولى يباح للقاهرة أن تتدخل فى الشأن الأمريكى والقطرى والبريطانى وأن تتشاطر هى الأخرى مع جماعات أخرى إذا انطلقت أصوات منها تطالب باسقاط أوباما وحزبه وتغيير النظام الأمريكى بل اسقاط التاج البريطانى وزوال عرش الملكية الدستورية!
< السؤال الذي لايمل الأقصريون والأسوانيون من تكراره هو إلى متى تتجاهلوننا ونحن لم نعد نجد اللقمة التى تسد جوع صغارنا؟ إلى متى تنسون هذه الدرر وهذه الكنوز المصرية التى يمكن أن تدر ذهبا على مصر كلها؟ من ذا الذي فى قلبه كل هذا المرض فى عقله لكى يتجاهل أن لحظة تعامد الشمس على وجه حتشبسوت مثلا لحظة فريدة فى التاريخ تستحق مؤتمراً أثرياً عالميا يقوده وزير(!!!) ورئيس الاثريين فى المحروسة الذين لم يفكروا فى مغادرة مكاتبهم الوثيرة لإعادة تسويق الاقصر واسوان كأفضل الوجهات السياحية العالمية فى فصل الشتاء والربيع؟ لمحة كتعامد الشمس هذه أن حدثت تعنى الكثير وغيابها وعدم الاحتفاء بها يعنى اكثر يعنى اننا لانعرف قيمة ما لدينا من كنوز، فالعالم يعشق الحضارة المصرية القديمه ويتبتل فى محاريبها ومعابدها الذائعة الصيت من فيلة الى أبوسمبل ومن الكرنك الى ادفو.. العالم كله يتوق لرؤية كل هذا الزخم الانسانى ويشغف به ويسعى لاقتناء تذكارات منه، ومع هذا فنحن لاندرك الجمال الكامن فى أعماق مقابر المصريين القدماء، ولإجلال هذه الطقوس والأساطير والحكايات والعبادات ووسائل وطرق الزراعة والصيد والتحنيط ومهارات القتال وفنون النقش.. سيظل لحديثنا هذا بقية!
< بعد أن قرأتم: مرة أخرى استقيلوا يرحمنا منكم الله!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف