صباح الخير
محمد عبد النور
الرئيس.. واللغة المصرية الجديدة
لا ضامن لعدم تكرار جريمة تنظيم داعش الوحشية فى حق الأبرياء من المصريين فى ليبيا، أو فى أى مكان يسيطر عليه التنظيم الإرهابى الدموى وتقترب ظروفه من الظروف الليبية، فرسالة الجريمة الإرهابية البشعة جاءت واضحة تماما لا تحتمل أى لبس، اختبار قدرة الدولة فى مصر وطبيعة خياراتها وحجم أدواتها.
والرهان على أن الدولة المصرية التى تخوض حربا حقيقية على الإرهاب فى الداخل، ليس فقط فى سيناء حيث المواجهات العسكرية، وإنما أيضا فى العمق المصرى حيث قنابل الموت فى التجمعات السكانية، لن تستطيع فتح جبهة أخرى على الجانب الآخر من الحدود بما يستدعيه من مجهود حربى ونفسى إضافى وتكلفة باهظة الثمن فى ظل اقتصاد متوتر يبحث عن فرص نجاة، وما ينتجه من غضب شعبى ثائر لكرامته الوطنية تغذيه الدعايات السوداء على الشاشات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا مانع أيضا من بث السموم العنصرية، مستندا إلى موقف دولى متخاذل لن يتعدى حدود عبارات مستهلكة فى التعزية والمواساة والتعاطف دون تحرك دولى حقيقى أو قرارات أممية تتعاطى بجد مع هذه السياقات الإرهابية، جاء رهانًا قويًا، واثقًا بامتياز من نجاحه.
اختبار للدولة وأدواتها، اختبار للقيادة وإدراكها، اختبار للشعب ووعيه، الموقف جد معقد والخيارات محدودة أو هكذا بدت عقب إذاعة المشاهد الدموية للجريمة الإرهابية، ولكن مصر قالت كلمتها بسرعة ناجزة، بعد ساعات قليلة معدودة، بلغة ثابتة ومفردات واثقة تحمل كل الإدراك الواعى بالقيمة المصرية تاريخا ودورا محوريا وثقلا مركزيا فى الإقليم والعالم، بأداء رفيع للدولة المصرية تعاطى مع الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية، بتراتبية شديدة الإتقان، أداء رفيع لدولة عظمى هى مصر، قررت كل خياراتها دفعة واحدة، واستخدمت كل أدواتها فى نطاقات مؤثرة تحت مظلة القانون الدولي، أيضا دفعة واحدة.
دعا الرئيس السيسى فورا لاجتماع مجلس الدفاع الوطني، وأعلن أن مصر لن تسكت، ضربة عسكرية محدودة، انتشار واسع للقوات المسلحة فى الداخل تأمينا للبلاد، رعاية حكومية لأسر الشهداء، تحرك دبلوماسى مصرى فورى لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التوجيه بالمشاركة والتحدث بقوة أمام مؤتمر مكافحة الإرهاب الذى دعت إليه الولايات المتحدة، استمرار مواجهة الأوكار الإرهابية فى سيناء.
أيها السادة.. ضربات سلاح الجو المصرى لتجمعات التنظيم الإرهابى «داعش» ومخازن أسلحته فى ليبيا، كعمل عسكرى ثأري، كانت كافية لامتصاص غضب الشعب المصرى الذى رأى الجريمة الدموية تنفذ فى أبنائه، وقد تحركت قواتهم المسلحة فورا ترد الصاع صاعين، وكان المصرى سيبيت ليلته راضيا مرضيا، ولكن التحرك المصرى العسكرى والسياسى بهذا الأداء التراتبى الفورى الرفيع لم يكن فقط لشفاء غليل المصريين وإرضاء لمشاعرهم وكفى، وإنما لسد كل الأبواب أمام احتمالات تكرار مثل هذه الجرائم الدموية من داعش الإرهابية أو غير داعش، فمن يمس شعرة مصرية، ستوجه له كل اللكمات العسكرية والسياسية والإنسانية، التى تقرها الأعراف والقوانين الدولية، كما قال الرئيس السيسى للقاصى والداني، إن مصر تحتفظ بحقها الشرعى فى الرد، فى التوقيت المناسب.
مصر اليوم تتحدث لغة جديدة، لغة الدولة العصرية المتحضرة صاحبة الأداء العسكرى والسياسى الرفيع، تتحدث باللغة الدولية، وهى تحفظ أمنها الداخلى وأمنها القومي، وتتعامل بجدية مع مجالاتها الحيوية، لا تقبل اختبارا لمقوماتها كدولة ضاربة فى عمق الزمن، لها دور وتأثير وكلمة فى الإقليم والعالم، ولا تفهم اعتداء على كرامة وطنية.•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف