الأهرام
احمد عمر هاشم
السنة النبوية فى مواجهة التحديات
كما تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم ـ وحفظه فعلا ـ تكفل سبحانه وتعالى بجمعه وقرآنه، وتوضيحه وبيانه، كما قال تعالي: «إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه».

ولذا قيض الله تعالى لسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه فى كل عصر ومصر، من ينافحون عنها، ومن يدونونها، ومن يشرحونها، ومن يحفظونها فى قلوبهم الأمينة وصدورهم الواعية.

وما كانت التحديات التى واجهتها السنة النبوية قديما، وتواجهها حديثا، لتمثل خطورة على دين تكفل رب العزة بحفظ دستوره، وحفظ بيانه، وانما كانت تمثل خطورة على بعض أتباع الاسلام، ممن يقعون فريسة لتلك الدعوات الضالة، والكتابات الباطلة. بيد ان هذه التحديات كانت تحفز علماء الحديث، فى كل جيل من الأجيال أن يهبوا عن بكرة أبيهم، وأن يجندوا كل طاقاتهم، ليتقوا عن الحديث النبوي، تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

ومما مَنّ الله تعالى به علي، ووفقنى اليه أن جعلنى واحدا من علماء الحديث، أشرف بتدريسه فى أعرق الجامعات الاسلامية (جامعة الأزهر الشريف) وأقوم بالذود عنه ورد شبهات المستشرقين، وها أنذا أتناول الرد على بعض تلك الشبهات التى يحاول بعض التابعين لأبواق الاستشراق أن يلقوا بها فى محيط الحياة الثقافية.

شبهة ادعاء الاكتفاء بالقرآن الكريم:

وهذه الشبهة دعت بها طائفة فى القديم، وطائفة حديثا، تدعو الى الاكتفاء بالقرآن عن الحديث، وهؤلاء الذين تبنوا هذه الدعوة، يستهدفون ضياع الدين، وذلك لأن الناس اذا تركوا الحديث وأهملوه، فلن يستطيع أحد كائنا من كان فى ثقافته، وفى ذكائه، وفى ورعه، أن يفهم كلام الله تعالي، ولا الوقوف على المراد منه.

فالقرآن الكريم جاء بالقواعد العامة والكليات، والحديث النبوى فصل هذا وشرحه وبينه، وجاءت الأوامر القرآنية والتوجيهات بالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والبيع والشراء والزواج وعبر ذلك من الأمور ولكنها تحتاج الى تفصيل وبيان اذ ليس فى القرآن تفضيل تلك الأحكام ولا عدد الركعات ولا كيفية أدائها وما يتعلق بغيرها من العبادات والمعاملات من أحكام تفصيلية، وانما كانت السنة النبوية هى المفصلة والشارحة لهذا كله، وجاء الأمر الالهى بأخذ ما جاءت به والانتهاء عما نهت عنه قال تعالي: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

ولذا وجه الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يحافظوا عليها ففيما رواه العرياضى بن سارية مرفوعا، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ». وهكذا كان الأمر النبوى بالحفاظ على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده. وقد ذهب بعض أصحاب الآراء الجامحة، من الفرق والطوائف الضالة، إلى إنكار حجية السنة جملة، متواترة كانت أو آحادا، مستندين فى ذلك الى فهمهم السقيم، فى مثل قوله تعالي: «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء».وقوله تعالي: «ما فرطنا فى الكتاب من شيء».، وأصل هذا الرأى الفاسد ـ وهو رد السنة والاقتصار على القرآن ـ أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة، وتبعهم فى عصرنا هذا بعض الكتاب المعاصرين ذهبوا الى إنكار الاحتجاج بالسنة، والاقتصار على القرآن، ونسبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله. كما استدلوا على عدم حجيتها أيضا ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة السنة، وأمره بمحو ما كتب منها.

وللاجابة على هذه الشبهة نقول: أما قول الله سبحانه وتعالي: «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء «فالمراد ـ والله أعلم ـ أن الكتاب يبين أمور الدين بالنص الذى ورد فيه أو بالإحالة على السنة التى تولت بيانه، وإلا فلو لم يكن الأمر كذلك، لتناقضت هذه الآية مع قوله تعالي: «وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» والتناقض مستحيل فى كتاب الله تعالى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فوجب معرفة أن القرآن تبيان لكل شيء بما ورد فيه صراحة بالنص أو بالإحالة على السنة النبوية المفصلة والشارحة والمبينة.

وأما قوله تعالي: «ما فرطنا فى الكتاب من شيء» فالكتاب هو اللوح المحفوظ، بدليل السياق: «وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم» وعلى تقدير أنه «القرآن» فالمعنى أنه يحتوى على أمور الدين إما بالنص الصريح وإما ببيان السنة له.

وأما الحديث الذى نسبوه الى النبى صلى الله عليه وسلم» والذى زعموا ـ حسب ادعائهم أنه يفيد ضرورة عرض السنة على الكتاب، فقد قال فيه الإمام الشافعي، رحمه الله تعالي: ما روى هذا الحديث أحد يثبت حديثه فى شيء صغر ولا كبر، و ذكر أئمة الحديث أنه موضوع، وضعته الزنادقة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف