الدستور
اللواء- طلعت-أحمد- مسلم
الضربة ليست مجرد انتقام!
لكن يمكن انتقاء بعض عناصر التعاون بين الدول لتحقيق محاربة الإرهاب، دون الالتزام بتخطيط الدول الكبرى التى كثيراً ما تكون هى التى أنشأت هذه المنظمات الإرهابية ورعتها وبذا تصبح أسيرة علاقتها القديمة. واظن أن العمل الدبلوماسى عليه مهمة صعبة تتلخص فى قيادة العمل الدبلوماسى لحشد أكبر تعاون ضد الإرهاب، واقتراح الأهداف التى يمكن تحقيقها.
تميز الأسبوع الثالث من شهر فبراير 2015 بقيام القوات المصرية بتوجيه ضربات جوية إلى تنظيم «داعش» فى ليبيا، وكما فهم من التصريحات والصورة أن الضربة كانت موجهة إلى معسكرات ومخازن وميادين التدريب الخاصة بتنظيم «داعش» الذى قام بقتل واحد وعشرين مصرياً كانوا فى ليبيا من أجل لقمة العيش، وقد كانت الضربة استجابة لما شعر به الشعب المصرى من ضرورة معاقبة هؤلاء المجرمين، لذا فقد كان رد فعل الشارع المصرى لأنباء الضربة رداً إيجابياً ومؤيداً، بينما كانت ردود الفعل الأجنبية متباينة وعكست علاقات وتحالفات هذه القوى الأجنبية خاصة فى الخطوات التالية سواء فى اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية أو فى اجتماعات مجلس الأمن الدولى.
يهمنى أن أتأكد من أن هذه الضربة، بل الضربات، قد خططت جيداً لتحقيق أهداف مناسبة، وتتناسب مع مكوناتها، ففى رأيى أن السياسة لا تشتمل على أفعال وردود فعل، ولا ضربات وضربات مضادة، وإنما يجب أن تحدد لها أهداف سياسية وأخرى سياسية عسكرية تخدمها أهداف استراتيجية. فلسنا لدينا فوائض لا من البشر ولا السلاح ولا المعدات، ولا الذخيرة، وعلينا أن نحقق أهدافاً تتناسب مع الموارد المستخدمة، ولا يعنى هذا أنى أعارض الضربة أو الضربات، ولكنى أعنى أن تكون هذه الضربات وغيرها، بل وجميع أعمالنا هادفة.
أعتقد أن الهدف المناسب هو أن نحدد المسؤولين عن الجرائم التى ارتكبت ضد مصر والمصريين، وأن نقبض عليهم، وأن نقدمهم إلى المحاكمة لكى ننفذ فيهم حكم القانون، وهذا يتطلب أن تقوم القوات المسلحة بضرب أماكن وجود القيادات الإجرامية وأجهزة قيادتها وشل هذه القيادات، ثم إن على القوات المسلحة أن تقوم إما بالتعاون مع القوات الليبية أو بدونها بالقبض على المجرمين وإحضارهم إلى مصر، حيث يجرى ترتيب محاكمتهم وتنفيذ الحكم فيهم، علماً بأنه من المحتمل أن يقضى بعض هذه القيادات فى الضربات الجوية.على أن من المهم أن يوضع فى الاعتبار ضرورة العمل على تأمين المصريين الموجودين فى ليبيا من احتمالات تعرضهم لأعمال انتقامية بما فيها الخطف والتعذيب والقتل، لكن ليبيا ليست كلها غير آمنة، لذلك فإن على المواطنين المصريين الموجودين فى ليبيا إما أن يستجيبوا لنداء القيادة والعودة إلى مصر، أو أن يتجهوا إلى مناطق فى ليبيا يرونها آمنة، أو أن يكون الانتقال إلى المناطق الآمنة خطوة مبدئية تمهيداً للعودة إلى الوطن. ويتطلب كل ما سبق توافر معلومات كافية عن هذا التنظيم ومتابعة له، حيث قد تتغير بعض المعلومات أو كلها، ويمكن الاستفادة بوسائل الاستطلاع المختلفة التى يمكنها جمع هذه المعلومات وطبعاً هناك ما يسمى بالخدمة السرية، كما يمكن متابعة الاتصالات عن طريق الاستطلاع اللاسلكى. فالمعلومات هى أساس كل عمل مخطط، وهى ضمان تحقيق أفضل الفرص للنجاح وتحقيق الأهداف.
حسناً فعلت مصر بأن نسقت مع الحكومة الليبية المعترف بها فى توجيه الضربة، حيث بذلك يصبح العمل المصرى مشمولاً بالقانون، حيث ينص ميثاق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية على حق الدول أن تدافع عن نفسها بمفردها بالتعاون مع دول أخرى فيما يعرف بحق الدفاع الفردى والجماعى، ولا يتطلب هذا تفويضاً من الأمم المتحدة متمثلة فى مجلس الأمن، وهكذا يستحيل الطعن فى مدى شرعية الضربات المصرية وأى عمل عسكرى آخر يمكن أن يدخل فيما يعرف بالدفاع الشرعى. على أنى لم أكن من أنصار طلب التدخل الأجنبى أو التدخل الدولى، فمن المعروف أن هناك قوى دولية تصر على أن تقوم هى بقيادة العمل الدولى، وكثيراً ما تتجاوز الأهداف والخطوط المحددة بواسطة الهيئات الدولية، أو أنها تضغط لكى يكون التفويض الدولى غير محدد بحيث يمكنها التحجج بنص هذا التفويض. صحيح أن الإرهاب لا ينحصر فى دولة أو دول بعينها، بحيث لاتستطيع دولة مهما كانت قوتها ووسائلها أن تقضى عليه، حيث ينسل من دولة إلى أخرى، لكن يمكن انتقاء بعض عناصر التعاون بين الدول لتحقيق محاربة الإرهاب، دون الالتزام بتخطيط الدول الكبرى التى كثيراً ما تكون هى التى أنشأت هذه المنظمات الإرهابية ورعتها وبذا تصبح أسيرة علاقتها القديمة. واظن أن العمل الدبلوماسى عليه مهمة صعبة تتلخص فى قيادة العمل الدبلوماسى لحشد أكبر تعاون ضد الإرهاب، واقتراح الأهداف التى يمكن تحقيقها.
■ خبير سياسى وعسكرى
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف