الصباح
ياسر ثابت
أغرب الرشاوى فى تاريخ الفساد
>>محمد فودة رشى ماهر الجندى برحلات عمرة ونفقات جراحة لعينيه.. و 4 خراف بمناسبة عيد الأضحى
>>قضاء أسبوع فى شاليه مقابل الإفراج عن «سمك فاسد » ونصف كيلو كباب من أجل تصريح بأدوار مخالفة
>>مسئول يتغاضى عن تحرير محضر لشركة تلقى بسمومها فى النيل.. مقابل « 10 كراتين صابون !»
>>قلادة ذهبية وخاتم «سوليتير » من مدير «مول » شهير مقابل الموافقة على ضم أراضٍ
فى عالم الرشاوى، كل شىء وارد، بما فى ذلك عضوية الأندية ووجبات الكباب والكفتة!
وإذا كان البعض يستغرب إدخال الكباب والكفتة قائمة الاتهامات فى قضايا الرشوة ولا يرى بأسًا فى هدايا من الشيكات المصرفية، والمجوهرات، والخواتم، والسلاسل الذهبية، فإن القاعدة التى تقول (اطعم الفم تستحى العين) تنطبق فى عالم الرشوة على ما هو أشد غرابة.
وما قضية «رشوة وزارة الزراعة» المثارة حاليـًا سوى آخر نماذج الرشوة التى تثير الدهشة فى بعض جوانبها العينية.
الحاصل أن النيابة العامة قررت حبس كل من وزير الزراعة المقال، صلاح الدين هلال، ومدير مكتبه محيى الدين قدح، ورجل الأعمال أيمن الجميل، «الراشى»، ومدير مكتب وزير الثقافة الأسبق محمد فودة، «الوسيط»، المتهمين فى قضية الرشوة والفساد بوزارة الزراعة.
وتمثلت الهدايا فى عضوية عاملة فى النادى الأهلى بمبلغ 140 ألف جنيه، ومجموعة ملابس من أحد المحال الراقية قيمتها 230 ألف جنيه، وهاتفى محمول قيمتهما 11 ألف جنيه، وإفطار فى شهر رمضان بأحد الفنادق بتكلفة 14 ألف جنيه، وطلب سفر لأسر المتهمين وعددهم 16 فردًا لأداء فريضة الحج بإحدى الشركات بتكلفة 70 ألف ريال سعودى للفرد.
وشملت قائمة الهدايا محل «الرشوة» أيضـًا طلب وحدة سكنية بأحد المنتجعات بمدينة 6 أكتوبر قيمتها 8 ملايين و250 ألف جنيه.
فى الوقت نفسه، أثار خبر القبض على سكرتير وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، والإعلامى وطليق الفنانة، غادة عبد الرازق، والمرشح المحتمل لمجلس النواب عن دائرة زفتى، محمد فودة، بتهم خطيرة تتعلق بالفساد والرشوة، الجدل عن الرجل الذى ملأ الدنيا ضجيجـًا بمشروعاته الخيرية والمحكوم عليه فى عدة قضايا فساد وتربح من المال العام.
عمل محمد فودة، الحاصل على دبلوم صنايع، فى منتصف التسعينيات سكرتيرًا صحفيّا لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، وانحصرت كل مهامه فى ترتيب اللقاءات الإعلامية والصحفية مع وزير الثقافة.
فـى عام 2002 أدين محمد فودة، بالكسب غير المشروع وإقامة علاقات قوية مع عددٍ من كبار المسئولين المصريين، وبينهم محافظ الجيزة سابقـًا، بهدف التوسط لقضاء مصالح ذوى الشأن من رجال الأعمال مقابل مبالغ مالية يحصل عليها، حتى بلغت ثروته مليونين و153 ألفـًا و121 جنيهـًا مودعة فـى دفتر خاص به لدى البنك الأهلى المصرى فرع الهرم. كما ضُبِط بمسكنه مبلغ 465 ألف جنيه و3700 دولار أمريكى و80 ألف ليرة إيطالية، بالإضافة إلى شقة مملوكة بالهرم وسيارة ملاكى قيمتها 100 ألف جنيه.
الطريف أن محمد فودة قدم إلى النيابة العامة ألبوم الصور الذى يجمع بين عائلة ماهر الجندى، محافظ الجيزة السابق، وعائلته، قائلاً: «لقد قدمت هذا الألبوم حتى أؤكد مدى العلاقة الأسرية التى تجمع بينى وبين محافظ الجيزة السابق».
رشى السكرتير للمحافظ شملت أموالًا طائلة وصلت إلى مليون جنيه، بعضها لقيام المحافظ السابق وزوجته وابنه بأداء العمرة، وبعضها الآخر لإجراء عمليةٍ فـى عينه، وقسم ثالث هدايا لزوجة ابنه والمولود، بخلاف المشغولات الذهبية والولائم فـى الفنادق الكبرى، وعدد أربعة خراف بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
وقد تقدم المستشار ماهر الجندى ببلاغ إلى المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام، طالب فيه بالتحقيق مع محمد فودة بشأن قيامه باستغلال نفوذ مزعوم واستغلال أسماء وزراء ومسئولين كبار فى النصب على ضحاياه.
تضمن البلاغ وقائع النصب ونص التسجيلات الصوتية التى دارت بين فودة وعدد من الوزراء وضحاياه، زعم خلالها المتهم أنه على صلة قوية بالوزراء ولفق وقائع من الخيال للنصب على الضحايا ويعدهم بالتوسط لدى الوزراء لإنهاء مصالح خاصة مقابل مبالغ مالية.
تضمنت المكالمات المسجلة مكالمة بين فودة وسيدة تُدعى منى، وخلالها وعدها بأنه تحدث مع الوزير فاروق حسنى بشأنها. وعندما تم سؤال فودة حول تلك المكالمة، قال إن تلك السيدة راقصة مشهورة، وكان يريد إقامة علاقة معها وتوسط لها عند الوزير ورئيس قطاع المسرح لعمل مسرحية لها!
أصدرت المحكمة حكمها، فقضت بمعاقبة فودة بالسجن 5 سنوات وتغريمه 3 ملايين و167 ألف جنيه، وإلزامه وزوجته رانيا طلعت السيد برد مبلغ مماثل إلى خزينة الدولة. قالت المحكمة إنه استقر فى يقينها ثبوت تهمة الكسب غير المشروع فى حق المتهم، وتحقيقه ثروة طائلة لا تتناسب مع دخله، وذلك من خلال الوساطة لإنهاء مصالح ذوى الشأن مقابل حصوله على مبالغ مالية، كما أنه شرع فى الكسب غير المشروع من خلال شيكات بنكية ضبطت بحوزته قبل أن يصرفها مسحوبة على بنوك القاهرة.
عفاف محمود محارم، مدير مكتب محافظ الإسكندرية الأسبق، نموذجٌ آخر.
فقد وجهت إليها نيابة الأموال العامة فـى عام 2002 تهمة تسهيل الاستيلاء على المال العام. وكشفت تحقيقات النيابة أن سكرتيرة محافظ الإسكندرية سجلت لها الرقابة الإدارية 29 شريطـًا من داخل مكتب المحافظ وبها اتفاقات مع رجال الأعمال بالإسكندرية لتسهيل طلباتهم بالمحافظة، وهم رشاد عثمان وعصمت ناثان وأحمد عبالفتاح مرزوق وشريف فخرى بقطر، وقد تم مواجهتها بالشرائط والمكالمات التى تمت بينهم. كما واجهتها النيابة بكشف مكافآت وحوافز تقدر بنحو 200 ألف جنيه حصلت عليها من شركة النصر للمسبوكات بالإسكندرية مقابل التسهيل للشركة بتنفيذ مشروع أعمدة إنارة بشوارع المحافظة، وأنها حصلت على موافقة بذلك، لكنها أنكرت وقالت إنها حصلت على مبلغ ثمانية آلاف جنيه فقط وإن باقى المبلغ حصل عليه موظفون بإدارة أملاك الدولة.
التحقيقات دلت على أن سكرتيرة المحافظ لديها شقة باسم ابنها بمنطقة كفر عبده تقدر بـ650 ألف جنيه بالإضافة إلى شقتين بمنطقة سموحة وشاليه فـى زهراء العجمى وشقتين بمنطقة المعمورة فـى أحد العقارات التى تطل على المنتزه، بالإضافة إلى شقة فـى 10 شارع المنشأة محرم بك، وأنها دائمة السفر إلى فرنسا للاستجمام وترسل أولادها إلى الولايات المتحدة للاستجمام أيضـًا.
كانت الرقابة الإدارية قد فرضت مراقبة على سكرتيرة المحافظ لمدة شهرين، وتم تسجيل كل المكالمات التى قامت بها.
ولعل من الضرورى أن نوضح أن سكرتيرة المحافظ ظلت تعمل فـى مكانها مدة 23 عامـًا، فـى حين قالت التحقيقات إنها حققت ثروة كبيرة، وإن لديها مجوهرات ومصوغات ذهبية تقدر بأكثر من 250 ألف جنيه، وإن جميع ملابسها مستوردة من الخارج رغم أنها حاصلة على دبلوم صنائع من إحدى المدارس بالإسكندرية، وقد استفادت من المحافظين السابقين من خلال عملها مديرة لمكتب المحافظ.
فى قضية رشوة مدير مكتب وزير الاستثمار، كشفت تحقيقات نيابة الأموال العامة بشرق القاهرة، أنه خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى يوليو 2014، حصل المتهمون على رشاوى مالية وهدايا عينية، حيث حصل عمر أشرف عبد الغنى الهراس، مدير بالمكتب الفنى لوزير الاستثمار السابق، بصفته موظفًا عموميًا طلب وأخذ لنفسه عطية لاستعمال نفوذه للحصول على مزية من إحدى السلطات العامة بأن طلب وأخذ من المتهم حسين حمدى، المدير المالى ونائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة «صن سيتى»، بواسطة مدير الشركة محمد السيد إسماعيل، مبلغ 17 ألف دولار وقلادة ذهبية وخاتم «سوليتير» بقيمة 54 ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل استعمال نفوذه لدى مسئولى محافظة القاهرة ومسئولى الشركة القابضة لكهرباء مصر، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما؛ لاستصدار قرار بضم قطع الأراضى.
هناك نماذج أخرى غربية فى ملف ضخم ماثل أمام المحاكم والنيابات.. إنه «ملف الفساد».
ومن ذلك أنه مقابل ألفى جنيه «عربون محبة» من صاحب عقار إلى مسئول حى.. غض الأخير الطرف عن إزالة الطوابق المخالفة دون أن يحرك ساكناً لعشرات الضحايا التى قد تسقط بين قتلى وجرحى فى أى لحظة.
بل إنه مقابل «نصف كيلو كباب» على مائدة عشاء ذابت كل الحواجز وحصل صاحب العقار أيضًا على التأشيرة الصعبة من مسئول الحى لفعل ما يريده فى العقار.
مسئول ثالث، هو رئيس لجنة، فى مقابل قضاء أسبوع فى شاليه مدير الشركة.. «وقع» على تصريح دخول شحنة أسماك فاسدة قادمة من الخارج.
ملفات القضايا فى المحاكم والنيابات تشير فى بعض منها إلى هذه الظاهرة.. فالرشوة كبرت قيمتها أم صغرت هى «أم الجرائم» التى تقوض دعائم المجتمع وتنخر فيه «كالسوس» بل هى أشد فتكًا.. لكن أن يبلغ الأمر أن يرتكب الموظف أو المسئول «كارثة» مقابل بضعة جنيهات أو «نصف كيلو كباب» أو زجاجة عطر، فهذا عجب العُجاب.
من بين القضايا التى تناولتها أوراق التحقيقات وسجلات الجلسات، قضية متهم فيها مسئول بأحد أحياء العاصمة عرض على إحدى الجميلات أن يمد شركتها بحملة إعلانية من المال العام.. والمقابل الذى طلبه هو أن تمنحه نفسها.
قضية أخرى المتهم فيها مسئول بإحدى الجهات المنوط بها مكافحة جرائم تلوث النسل وإلقاء المخلفات الصناعية فى مياهه.
هذا المسئول تغاضى عن تحرير محضر لإحدى الشركات التى تلقى بسمومها القاتلة فى نهر النيل.. لم ينظر المسئول إلى الضرر الفادح الذى سيلحق بملايين البشر جراء هذا التغاضى عن تحرير محضر لم ينظر إلى هذا الضرر الفادح.. ونظر إلى الرشوة التى سيتقاضاها.. هذه الرشوة هى «عشرة كراتين صابون»!
نموذج آخر حوته ملفات القضايا والتحقيقات.. فهذا موظف بإحدى الوزارات رفض إصدار قرار بإزالة مصنع للأسمدة الزراعية المغشوشة، والتى تتسبب فى إصابة المواطنين بالأمراض الخطيرة نظرًا لاحتواء هذه الأسمدة على مواد «كيماوية» قاتلة.. رفض هذا المسئول إصدار قرار الإزالة.. وكان مقابل هذا الرفض حصول هذا الموظف من صاحب المصنع على ثلاثة آلاف جنيه.. فقط لا غير!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف