الأهرام
د. شوقى السيد
ضبط الإيقاع .. والخريطة التنموية .. والبرلمان!
قد يبدو أننا أمام ثلاثة مقاطع مختلفة، كل واحد منها يتسع موضوعه لعدة مقالات ولا يكفى له مقال واحد، ولكن لأنه بينهم قاسم مشترك، هو إيجاد احتشاد وطنى، وتماسك الوطن وشحذ همته وتحقيق تقدمه، وهو هدف لا يتحقق ألا بضبط الإيقاع لكل شىء، حتى عند الانفعال والتعبير عن العواطف وعند العمل أيضاً،
كذلك نحن فى حاجة إلى إعداد خريطة تنموية تكون فيها الغالبية الكاسحة للاستثمارات المحلية ، لتحقيق العدالة الاجتماعية، والبحث عن أوجه جديدة لتحقيق التنمية واستنهاض الاستثمارات المحلية التى تتسع لها أرجاء الوطن وأطرافه، وكل هذه المهام تقع فى دائرة مسئولية الدولة ومسئولية البرلمان القادم، التى عليها أن توقن أن اقتصادها يجب أن يبنى أساساً على سواعد وعقول وأموال أبنائها ، هذا القاسم المشترك بين هذه الموضوعات الثلاثة تطلب الجمع بينها.. بكلمات فاصلة. فنحن أولاً، فى حاجة إلى ضبط الإيقاع لكل ما يجرى، فلا نغرق فى التمجيد أو التبكيت، ولا نكثر من الكلام والروايات أو نفرط فى التفاؤل أو الإحباط والتشاؤم، ولا نهلل أو نكبر بأبسط الأشياء، ونقلل أو نحقر من أكبر الأعمال، وبين هذا وذاك يقع الإفراط والتفريط، لهذا فنحن فى حاجة إلى ضبط الإيقاع.
ويتصل بهذا الأمر، أننا قد أطلقنا المشروعات القومية الكبرى.. ما بين قناة السويس الجديدة.. والعاصمة الجديدة.. والمليون فدان.. واكتشاف الغاز.. وشبكات الطرق، وهذا كله حق، فى طريق التنمية الاقتصادية والبناء، يبلغ به النمو ما يعود آثاره على الجميع.. لكننا أحياناً نبالغ فى الآمال والطموحات والنتائج المتوقعة.. والناس تفرح.. وتنبهر وأحياناً تنهمر الدموع من الفرحة والسعادة وعودة الثقة والأمل، لكنها فى الوقت ذاته تتعجل النتائج، وتنظر حولها فلا تجد شيئاً على أرض واقعها.. لهذا فإننا فى حاجة إلى خريطة الدولة التنموية والإستراتيجية للتنمية المستدامه محور العدالة الاجتماعية التى يجب أن تتحقق بالاستثمارات المحلية التى يراها الاقتصاديون كافية برفع الناتج القومى وتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل ، ومع أنها بكل أسف مازالت مختفية عن الأنظار، فمازالت المحافظات والمدن.. وأهل الريف.. يتطلعون لمشروعات تنموية محلية وضخ استثمارات ولو بسيطة تحقق لهم نتائج قريبة ، تلبى المطالب والحاجات الضرورية.

وتبدو أهمية هذه المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر أنها تحقق التنمية المستدامة وهى محور العدالة الاجتماعية، لتتحدى نسبة الفقر التى بلغت فى محافظات مصر 40% حسبما أشارت إليه تقارير.. «لجنة مبادرة الفقر والتنمية البشرية» جامعة أكسفورد البريطانية مع برنامج الأمم المتحدة، والتى أشارت إلى أن هذه النسبة قد تحققت بسبب تدهور عنصرى التعليم والصحة فى البلاد، على حين أشار الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى مصر إلى بيان نشر فى يونيو 2015 بأن معدلات نسبة الفقر بعد الثورة 2012/2013 قد بلغت 26.2% وقد تزايدت بشكل منتظم رغم ما تنفقه الدولة من المليارات على الدعم لمواجهة الفقر ، وأن نسبة البطالة قد قفزت إلى 13.4% وأن هناك خريطة للفقر ودرجاته.

وفى لقاء رئيس الوزراء مع الكاتب اللامع فاروق جويدة نشر عنه، بمقاله الأسبوعى فى الأهرام فى عدد الجمعة الماضى.. أكد رئيس الوزراء أن الحكومة على قناعة كاملة بأن التغيير يبدأ من الأقاليم ومن أصغر قرية إلى أكبر مدينة وأن التغيير لن يكون فوقياً، لأن الجميع شركاء مع الحكومة فى تحقيق التغيير وهذا يعنى أن الحكومة مقتنعة بالخريطة التنموية ووضع الإستراتيجية لها، لكن الاقتناع بأمر لا يغنى عن العمل على تحقيقة على أرض الواقع، كذلك أكد وزير التنمية المحلية عن أن المشروع القومى للتنمية المحلية والبشرية والمجتمعية «مشروعك» قد أسهم فى 7300 مشروع بتكلفة 330 مليونا فى المحافظات، رغم ما يقابلها من مشكلات إدارية وبشرية، وأن هناك تمويلا من البنك الدولى والاهتمام بالصحة والثقافة والتعليم قادم فى الطريق لكن ذلك وحده لا يكفى لأننا مازلنا فى مرحلة الكلام والوعود والأحلام!!

وبالقطع فإن البرلمان القادم ، فقد قامت اللجنة العليا للانتخابات بدعوة الناخبين للاقتراع، كما أصدرت برنامج فتح باب الترشح ، لانتخاب مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر، وهذا المجلس بحكم مسئوليته الدستورية مسئول عن اقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة وفى المشاركة وضع الخطط والسياسات.. وأنه مسئول كذلك عن رقابة أداء الحكومة بصورها وأدواتها المتعددة للتحقق مما أقره ووافق عليه .. وهو فى الوقت ذاته سلطة التشريع المسئول عن اقتراع وإصدار التشريع الذى يحقق تلك الأهداف ، وهو فى سبيل تحقيق هذه المسئولية الدستورية فان الأمر يتطلب اختيار نواب قادرين على تحمل المسئولية الوطنية وفهم أبعادها.. والمساهمة فى تحقيق نتائجها على أرض الواقع.. تطوعاً لخدمة الوطن وتقدمه ، فلم يعد يكفى لهذا الأمر الزحام أمام الترشح، أو الصراع بالمال أو السعى إلى تحقيق الوجاهة الاجتماعية أو حتى الوصول إلى قبة البرلمان أو التمتع بالحصانة البرلمانية أو تحقيق المغانم والمنافع والمزايا، لان ذلك كله قد حاصرته التشريعات الجديدة بسد منابعها.. ورقابة أسبابها ومحاسبة ما يخالفها، فتبطل العضوية اذا انتهت محكمة النقض إلى بطلانها، كما تسقط العضوية لمن يخل بمسئوليات وواجبات العضوية، أو يفقد شرطاً من شروط الصلاحية، أو يرتكب فعلاً يخدش به سمعته، أو يتحقق معه المظنة والشبهه، أو يجنى تربحاً أو منفعة ، حتى لو كان أحدهم من بين رجال المال والأعمال، لأن ذلك كله صار محظوراً ومفضوحاً أمام الرأى العام.. الذى يملك رقابة ومحاسبة نواب الشعب، لأن كل واحد منهم وكيلً عن الأمة.. وهم مطالبون جميعاً ومسئولون عن تحقيق مصالح الشعب ورعايته رعاية كاملة، التزاماً بالقسم الذى أقسم عليه كل نائب عند توليه المسئولية، لأن الشعب وبنص الدستور هو وحده صاحب السيادة ومصدر كل السلطات فهل تسمعنى عنه!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف