الوفد
أشرف عزب
ضياع العمر بلا ثمن
الحقيقة تجدها دائمًا فى لحظات الصفا، والكلام يخرج بلا تجميل أو تزييف فى تلك اللحظات التى تتكلم فيها المشاعر بصدق ودون أية ضعوط أو رتوش أو خجل.
سألت صديقًا صحفيًا ذات مرة فى تلك اللحظات الأخوية دون تزييف، فى لحظات يخرج منها الكلام بصدق فى غرف مغلقة قد لا يخرج بعدها مرة أخرى ولن تسمعه أذن أخرى، والحالة الوحيدة التى يمكن أن يخرج فيها هذا الكلام وهو يحدث نفسه ويسمعه قلبه فقط دون سواه.
سألت هذا الصديق وقد اقترب عمره من الخمسين عامًا لماذا لم تتزوج حتى الآن؟ واعتقدت أن الإجابة ستكون كما توقعتها قبل أن أسأله، بأنه يعيش فى سرور وسعادة بالغة بعيدًا عن هم الزواج ومسئولية الأولاد، ومصروفات الحياة والتزاماتها.
ولكن كانت إجابته بصدق شديد وصراحة شديدة، فأجاب بعد القسم بالله ليس ليؤكد كلامه بل ليؤكد مرارته فيما سيجيب عنه وقال: «بأنه عندما كان يفكر فى الزواج لم يكن معه المال ليتزوج ولم تعطه مهنة الصحافة فى الجرائد المستقلة والخاصة ما يؤهله للقدوم على هذه الخطوة التى ما تمناها دائمًا وعندما أتاه الله المال كان قطار الزواج كان فاته».
يااااااااه على مرارة الصدق والحزن الذى إنتابنى وشعرت بعدها بالأسى من نموذج لصحفى واحد يعمل فى الصحافة الخاصة وأنا أبدأ حياتى ومشوارى فى تلك الشوارع والميادين الذى سار فيها صديقى هذا، الذى كان ومازال صحفيًا مستقلاً لا ينتمى لأى مؤسسة صحفية قومية، ومازال أيضًا أعزب لم يتزوج لأنه كما قال «قطار الزواج قد فاته»،
هذا نموذج واحد مما يعانيه عدد كبير جدًا مما يعانيه الزملاء الصحفيون فى الصحف المستقلة والحزبية - وأنا واحد منهم -، لم تشفع له مهنيته بإنضمامه للمؤسسات القومية، ولم يحالفه الحظ، بأن ينتمى لتلك الأماكن التى تشعر فيها بالأمان النوعى بأنك فى وظيفة تتبع الدولة وتشرف عليها، بعيدًا عن التهديد بالإغلاق إما لأسباب مادية أو غيرها لتجد نفسك دائمًا سلعة تحاول أن تروجها كى تأكل أولًا وتعيش فى هذه الحياة بكل تفاصيلها.
الموضوع ليس المجهود المبذول والمعاناة التى يشعر بها ممن يحبون مهنة الصحافة ولم يجدوا بديلًا عن الصحف الخاصة، ولا أن يأكل الصحفى وجبة واحدة أو وجبتين فى اليوم، أو أن يسكن وسط أرفف مكسورة مع خمسة أو ستة فى غرفة واحدة، وحقيبة ملابسه تحت وسادته فى بداية مشواره مغتربًا ليحقق ذاته فى مهنة يعشقها ويدمنها ولا يعرف بديلا عنها لأنه ببساطة أدمن حبها والعمل فيها رغم كل هذه المصاعب.
الموضوع تخطى كل هذه المراحل بكثير ليقابلهم أبشع من ذلك وهو ضياع عمره بلا ثمن وبلا رحمة، الموضوع الآن تخطى حاجز العمل لينتقل إلى مرحلة تحكم وسيطرة رأس المال فى أرزاق عدد كبير من الزملاء بالتهديد والوعيد وإغلاق الصحف مصدر رزقهم.
الموضوع أننا نحتاج إلى تشريعات لا تفرق بين الصحفى الذى يعمل فى مؤسسة صحفية قومية أو الصحفى الذى يعمل تحت مظلة حزبية أو ذلك الذى يعمل تحت رحمة بعض رجال الأعمال فى المؤسسات الخاصة، جميعنا يعانى من الضغوط كل فى مكانه مع اختلاف شكل ومضمون هذه الضغوط.
نحن فى حاجة لوضع ضوابط تحمى الجميع، وتضمن للجميع فرصة عادلة بلا أى تمييز أو عنصرية، نحن فى أشد الحاجة إلى التكاتف الشديد حتى لا تموت فئة منا ويتم فرمها فى ماكينة ضياع العمر بلا ثمن ونحن جالسون نفكر ثم نفكر ثم نفكر وتبقى الأوضاع كما هى دون تغيير أو تعديل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف