الصباح
كمال حبيب
تفجير «شبرا الخيمة » نفذه «إرهابيون جدد » يستخدمون العلامة التجارية لداعش
*«التحرير» و«محمد محمود» و«اعتصام العباسية» و«رابعة» أفرزت «الشبكات المخفية» المتورطة فى العمليات الإرهابية
*تفجير العربات المفخخة عن بعد وسيلة الإرهابيين فى محاربة الدولة
*«مبنى الأمن الوطنى» هدف مغرٍ لأى مجموعة إرهابية هدفها الضوضاء
لا يزال تنظيم داعش يمثل التحدى الأكبر والأخطر للدولة المصرية - كما نؤكد دائما وأبدًا، فقوة داعش مرتبطة بالوضع الإقليمى للتنظيم الذى يمثل قوة جذب كبيرة للمقاتلين الأجانب من العالم العربى ومن العالم الإسلامى ومن العالم الغربى والعالم كله.
مثل تحدى التنظيم للدولة المصرية بقوة بعد عزل مرسى، فقد بدأ عملياته الكبرى بعد عزله من مثل عملية محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، ومثل عملية استهداف مبنى المخابرات العسكرية بمحافظة الإسماعيلية، وعملية تفجير مديرية أمن الدقهلية وتفجير مديرية أمن القاهرة، كما استهدف عمليات أخرى ضد معسكرات الجيش أخطرها كانت عملية الكتيبة 101، وكانت آخر العمليات الكبرى لذلك التنظيم الوحشى محاولة الهجوم على الشيخ زويد واستهداف كمينى أبورفاعى والسدرة الذى صمد الجنود وضباطهم الميدانيون فيه، وتعد تلك آخر العمليات الكبيرة التى قام بها التنظيم، ومنذ ذلك الوقت وهو يحاول إثبات قدرته ووجوده بما فى ذلك محاولة استهداف أهداف بحرية للجيش المصرى، بيد إن قدرة التنظيم تتراجع بشكل ملحوظ.
عملية شبرا الخيمة الأخيرة التى استهدفت مبنى الأمن الوطنى، والتى تبناها داعش تحت مسمى جنود الخلافة قاموا بها يعنى لى أنه مع تراجع قدرة تنظيم داعش فى مصر مع ملاحقة الجيش لأعضائه وحصاره لهم، فإنه أصبح يتبنى عمليات مثل عملية شبرا الخيمة التى تعد فى تقديرى عملية فاشلة، فهى لم تحقق أهدافها، كل ما قامت به هو الصخب الأمنى والرمزى وإثبات الوجود الذى صاحب العملية، وقد كان مبنى الأمن الوطنى فى الحقيقة لمن يعرفه هدفًا مغريًا لأى مجموعة إرهابية تريد أن تحقق نصرًا هزيلًا وضوضاء كان يمكن تجنبها لو كان المبنى مؤمنًا بشكل أفضل من ذلك.
هناك عمليات مثل عملية النائب العام تم تنفيذها باحتراف، ومن بعدها حدثت عملية القنصلية الإيطالية واليوم عملية الأمن الوطنى والأخيرتان تعكسان فى تقديرى دخول مجموعات جديدة من شبكات الشباب المرتبط بالفكر الإرهابى إلى سوق الإرهاب، وأن هذه المجموعات تستخدم أسلوب العربات المفخخة، لكن عبر التفجير عن بعد، وليس العربات التى يقودها انتحارى، وهو ما يعنى أن هذه المجموعات ربما تتحفظ من عملية قتل النفس أو الانتحار أو أنها لا تملك كوادر كافية للتضحية بها أو أنها أقل تشددًا من مجموعات داعش التى تستخدم أسلوب التفخيخ والتفجير والانتحار بدون أدنى اكتراث.
المجموعة التى قامت بتنفيذ عملية الأمن الوطنى بشبرا الخيمة قالت إنها تنتقم من مجموعة عرب شركس، وعرب شركس هى قرية فى القليوبية شهدت ما يمكن اعتباره نصرًا كبيرًا للدولة المصرية فى مواجهة خلية تنظيم داعش فى القاهرة والدلتا، والتى كان يقودها توفيق فريج، وكانت تلك الخلية قد قامت بعمليات عديدة قالت الداخلية إنها بلغت 14 عملية كان أخطرها كمين مسطرد وهجوم مسلح على سيارة للجيش، ويبدو أن تنظيم داعش يحاول بعد مقتل قائد خلية الدلتا والقاهرة توفيق فريج ليكون له موطئ قدم جديد فى منطقة القاهرة والدلتا لأنها تمثل مجالًا استراتيجيًا يمكن استهدافه مع الحصار والضغوط التى يواجهها فى منطقة عمله الاستراتيجية فى شمال سيناء وما يجاورها جغرافيًا.
نفترض أن تلك المجموعات الجديدة القادمة إلى سوق العنف هى مجموعات لها علاقة بالمجموعة التى أعدمت من عرب شركس وهم - أى من أعدموا لهم تاريخ حافل وطويل بتكوين العلاقات عبر الفيس بوك وعبر شبكات التواصل الاجتماعى وعبر العلاقات فى ساحات التجاور الجهادى من أول التحرير ومحمد محمود واعتصام العباسية واعتصام رابعة التى تبلورت وتجاورت فيها تلك الشبكات وأسست بنى نطلق عليها فى علوم الحركات الاجتماعية «الشبكات المخفية»، هذه الشبكات المخفية أو الكامنة هى التى تتحرك حين يحفزها محفز، هذا المحفز فى الغالب يكون واحدًا قريبًا من المجموعة من جماعات الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران، وهنا يتحرك هؤلاء نحو تنفيذ جريمتهم.
تثير علامات الاستفهام والتساؤل فى الواقع هو عمليات تم تنفيذها دون أن تعلن الجماعات التى قامت بتلك العمليات عن نفسها، ففى التحليل النهائى ينفذ الإرهابى عمليته ليعلن عنها، إما ليعلن عن أهدافه السياسية أو ليثبت وجوده خاصة بين الجماعات الإرهابية المتنافسة كما هو الحال فى التنافس بين القاعدة وتنظيم داعش، أو ليستطيع أن يقوم بالإعلام عبر تلك العمليات ليقوم بجذب الأنصار والأعوان وحتى الممولين لتلك التنظيمات الإرهابية.
الافتراض الأكثر ترجيحًا عندى هو أن هناك جماعات إرهابية دخلت سوق العنف تتسم بسيولة وعدم تحديد واضح فى بنيتها الأيديولوجية أو بنيتها التنظيمية أو بنيتها القيادية، هى مجموعات مخفية كما أوضحنا تتشكل مع وجود المحفز الذى يحركها، وطبعًا المجموعات المخفية تلك تحمل الفكر السلفى الجهادى لكنها تتحول إلى فكر سلفى حركى حين تتحول إلى مجموعة تقوم بعملية دون أن يكون لديها وضوح عن الأهداف أو الخبرة لتخرج بيانًا أو تصمم شعارًا لنفسها، ومن ثم فإن التنظيمات الكبيرة تستثمر فى تلك التنظيمات، وتعلن هى عن قيام أتباعها وجنودها بمثل هذه العمليات، كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة فى نهاية أعوام التسعينيات، فقد ظهرت أخوات القاعدة التى تتبنى فكر التنظيم وتقوم بعمليات باسمه دون أن يكون هناك رابط تنظيمى حقيقى.
أعتقد مفترضًا أن داعش أصبح هو العلامة التجارية الجديدة التى حلت محل القاعدة التى أصبحت تبدو بالنسبة لجماعات الإرهاب الجديد «موضة قديمة»، ولا يستغرب القارئ استخدامى لكلمة العلامة التجارية أو لاستخدام تعبير الموضة القديمة، فهناك منتج عنفى يعبر عنه شباب ضائع يبحث عن هوية جديدة تحقق له وجودًا ينقله من التهميش إلى القلب حتى لو كان عبر عملية عنف، أنا هنا حتى لو كان عبر الإرهاب، نحن أمام ظواهر عنف وإرهاب غامضة وملتبسة وغير مكتملة مبتسرة كالشباب الذى يقوم بها والتنظيم الذى ينفذها، هؤلاء الشباب يستخدمون المظلة الإسلامية وهم تعبير حقيقى عن تيارات فوضوية عنفية بلا هدف ولا خطة واضحة، إنها ماكينات عنف متحركة يحركها العنف ويقومون بأعمال انتحارية حقيقية للهروب نحو ما يتصورونه هروبًا من واقع صعب إلى الصعود للعلياء فى جنة عريضة.
العنف والإرهاب معركتنا معه طويلة، وقولى إن هناك جماعات جديدة تدخل عالم العنف والإرهاب ويتخذها داعش أداة له، أو يتخذون هم داعش كعلامة لأفعالهم، يشير إلى تحدٍ يواجه التنظيم الأصلى لأنه لم يعد هو قادر بنفسه على القيام بعملياته كما كان يفعل من قبل، ولكن يمثل تحديًا يواجه أجهزة الأمن والدولة وهو أن تلك المظلة سيتم توظيفها، وهو ما قد يغرى جماعات العنف والإرهاب على اقتحام عالم العنف والإرهاب، هذا إغراء لتلك الجماعات وهو تحدٍ للدولة ولأجهزتها الأمنية بلا ريب، هدف مبنى الأمن الوطنى لشبرا الخيمة كان هدفًا يبدو مهملًا ومغريًا للإرهابيين لقصده بعملية، نحن فى لحظة حقيقة تفرض الانتباه واليقظة فلا وقت للتراخى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف