الوفد
نادية صبحى
ما الذى تعرفه عن نفسك؟
هل تعلم أنك قد تقضى سنوات طويلة من عمرك مشغولاً بمعرفة كل ما حولك ومن حولك دون أن تمنح نفسك دقائق لتعرف نفسك! ربما يمنحك الآخرون بعض الصفات الحميدة التي تشعرك بالرضا وقتما يرضى الآخرون عنك. وقد يصمونك بكثير مما يسيء إلى نفسك حين يغضبون منك أو عليك لتجد نفسك في النهاية عبارة عن مجرد محصلة لانطباعات ووجهات نظر كوّنها غيرك عنك. ويكون عليك أن تقضى ما تبقى من عمرك أسير صورة لا تمثلك ولا حتي تشبهك. والمسألة ليست ببساطة وضحالة الطريقة التي يسألون بها بعض المشاهير في الحوارات الرديئة «إيه أهم عيوبك؟» فيرد التوافه «بصراحة أنا طيب جداً وده عيب مش عارف أخلص منه. لكن القضية أكثر عمقاً من تلك الصورة الكاريكاتورية ثقيلة الظل. هي في الحقيقة «أسلوب حياة» من الضرورى أن تعرف نفسك» لا تسلب منها الجميل فيها فتظلمها ولا تمنحها ما ليس فيها من محاسن فتظلمها أكثر.
أقول هذا لأنني في أقل من شهر قابلت نموذجين من البشر على النقيض من بعضهما تماماً. أحدهما فنان حقيقى، كتلة مشاعر نبيلة تتحرك على كرسي يدور في المحيط الأرضى بعجلتين كبيرتين فيما تحلق أحاسيسه السامية بجناحى عصفور، هذا الشاب فنان تفهم ما تبدعه ريشته بمجرد النظر تقدر أعماله في كل مكان يذهب إليه.. الشخص الوحيد الذي لا يقتنع بفنه هو نفسه.. بل يسمى لوحاته «شخابيط». اعتقدت في البداية أنه «تواضع الفنان» لكن اتضح فيما بعد أن الرجل لا يعرف نفسه فعلاً. يقول إن نسبة ذكائه محدودة لذلك فشل في الدراسة.
فيما حكت لي شقيقته عن الصعوبات التي واجهتها أمه، رحمها الله، في استكمال تعليمه بسبب مشقة حمله من وإلى المدرسة. يردد دائماً أنه مرفوض من الفتيات بسبب إعاقته وأن إحداهن لم تقبل به زوجاً، فيما أكدت أخته أنه أدمن قطع الطريق أمام أى وسيلة لإسعاد نفسه لأنه ببساطة شديد الخوف من الفشل الذي يتوقعه دائماً.
شاب آخر قابلته ملأ الدنيا حولى بمجهوداته الخارقة فى سبيل تقديم العون لإخوانه من ذوي الاحتياجات الخاصة، ذلك لأنه بدأ يشعر بمعاناتهم بعد إصابته بكسر في كاحله عولج بشكل خاطئ وللأسف كان ذلك سبباً لإعاقة تلاحظ للمدقق في طريقة سيره فقط، لكن صاحبنا أصبح ضيفاً دائماً في كل الندوات والمؤتمرات والاجتماعات التي تتحدث عن أو يتحدث فيها ذوو الاحتياجات الخاصة. هو لا يدعى، وأنا أصدق أنه لا يدعى، لأنه فعلاً مقتنع بأنه فارس الحقوق الضائعة لذوي الإعاقة وللأسف ينمى ويضخم هذه القناعة بداخله كثير من المستفيدين حوله، هو يعتقد أنه الأذكى.
ويمنحه «المحيطون» شعوراً بأنه الأقوى، أما أنا فأشفق عليه كما أشفق علي صاحبنا الفنان، كلاهما مثل ملايين منا، نجهل حقيقة ذواتنا «ما لنا وما علينا» أعتقد أن الإنسان يخسر الكثير عندما يعيش فاقداً القدرة على فهم نفسه، وتكون الخسارة فادحة عندما نموت بعيداً عن حقيقتنا، عندها يكون من عاش هو شخص غيرك ومن مات هو «شخص لا يهمك».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف