الأخبار
جمال الغيطانى
السيسي.. رؤية من قرب بعيد
آخر مرة رأيت الرئيس السيسي في حفل تخرج الكلية الحربية، في رمضان الماضي حضرت افطارين شرفهما بحضوره، افطار الأسرة المصرية، والافطار السنوي الذي يقيمه الجيش، كنت في كليهما علي مسافة بعيدة، ولكن في الكلية الحربية كانت منصة إلقاء الكلمات أمامي، يفصلني عنها أقل من متر ونصف المتر عندما حانت لحظة مثوله بدا قريباً جداً، يولينا ظهره متجهاً إلي طابور العرض والضيوف. كان يرتدي حلة سوداء. وقميصاً أبيض ورباط عنق أحمر، ألوان العلم المصري المسافة قريبة جدا، غير أنها بعيدة أيضا، رحت أتأمل حضوره الإنساني المتواضع كجزء من تكوينه، ليست المرة الأولي التي أسمع فيها استئذان قائد طابور العرض. ويرد عليه القائد الأعلي بأدب جم وحزم أيضاً.

«تفضل يا أفندم»..

عندما زار العريش والشيخ زويد، نشرت صوره مصافحاً المقاتلين، أحدهم كان يقف فوق منصة عالية كان بإمكانه أن يقفز يصافح القائد الأعلي ولكن الرجل أصر علي أن يظل في مكانه الأدني والمقاتل في مكانه الأعلي. مرة أخري أتطلع إلي حضوره، إلي ملامحه المألوفة المصرية العادية، كان لسعد باشا ملامح أسد، وللعقاد في كتابه العبقري عنه تأملات في ملامحه. كان لجمال عبدالناصر حضور مضيء هلة وطلة مرة واحدة فقط خاطبته مباشرة في الجبهة، في القطاع علي ضفة القناة، التقيته مصادفة بدون ترتيب، فيما عدا ذلك كانت علاقتي به عبر المواكب، كنت فرداً في جمع ينتظر هلته، السيسي وجه مصري منحوت من جميع عصورها، فرعوني يخيل إليّ أنني رأيته في أحد التماثيل المتقنة أجده في أقنعة الفيوم قمة فن البورتريه في العالم. عربي السمت، يشبه أخي اسماعيل، أعرف هذا الحضور في ذلك الجيل الذي وهب نفسه للعلم والوطن، تشرب قيم الطبقة الوسطي التي دمرها الانفتاح الساداتي منذ السبعينيات لكن بعض المصريين حافظوا علي القيم الأصيلة التي صانت الوطن في ذروة انحداره وانهياره، كثيرا ما قرأت هذه العبارة وفي لحظات الانهيار تدافع الدولة المصرية عن نفسها، كثيراً ما عشت ذلك، كيف يمكن لكيان معنوي ان يتصرف كإنسان من لحم ودم وأعصاب وعقل وقلب، عشت هذا بدءاً من صعود الاخوان القتلة واحتلالهم لمصر وبدء تفكيك الدولة وتذرية أصولها، جاء التحرك تلقائياً من الشعب، أقرب ثورات مصر إلي الثورة الأم الأعظم في ١٩١٩، الثلاثون من يونيو، نقاء خالص، لا متدربين ولا متمولين من الخارج، ولا وجوه مريبة وفدت من بعيد في الشهور السابقة علي الثورة، عشت الجمعية العمومية للكتاب أول قرار بسحب الثقة من مرسي. اعتصام المثقفين، ثم الخروج الاسطوري للشعب، واستجابة الجيش المنقذ علي مدي التاريخ، الجيش كان الذي استجاب للشعب وعلي قمته القائد العام الفريق أول السيسي وقتئذ، ها هو أمامي يلقي خطاباً، أحسن حالاته في تلقائيته، من صوته وأفعاله يثق فيه القوم، أتأمل حضوره الإنساني، أنه أكثر زعيم مهدد مطلوب في العالم الآن وربما في التاريخ كيف يعيش حياته الخاصة كيف يغمض عينيه لينام. من داخله يشع هدوء المؤمن الواثق القوي، رغم كل المخاطر المحدقة بالدولة، مصر هي الوحيدة التي تشق طريقها بثقة إلي المستقبل العراق ضاع، سوريا أيضاً ليبيا ممزقة اليمن فرضت عليه حرب عبثية، المخطط العام للشرق هو التقسيم والفوضي، مصر تنتصر علي كل الصعاب، في سنة واحدة تضاف إلي خريطة العالم قناة جديدة. ولكن رغم هذا كله، رغم الثقة المطلقة بزعيم الوقت، رغم التفاف الشعب حوله. هل ما تحقق نهاية المطاف بالنسبة لنا بالتأكيد لا.. وللإجابة تفصيل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف