طارق عبد العزيز
الشرطة المجتمعية وطريقة التطبيق (2-2)
تناولنا فى مقالنا السابق تجارب العديد من دول العالم المختلفة التى أخذت بمفهوم الشرطة المجتمعية وعملت على تطبيقه ونجحت فى الوصول إلى نتائج جيدة جعلت من الجميع مشاركاً ومسئولاً عن أمن مجتمعه الذى هو جزء لا يتجزأ من أمنه الشخصى. لقد طرحنا عدة نماذج، أخصها تجربة إنجلترا وأمريكا وأستراليا وفنلندا وانتهاءً بتجربة إمارة دبى، واستعرضنا ما توصلوا إليه من آليات أدت إلى نجاح تلك المنظومة الأمنية مما تدنى معه معدل الجريمة فى تلك الدول.
لقد نجحت تلك الدول فى ترسيخ وتعزيز الوعى بالقيم الإنسانية والوطنية ومبدأ المواطنة والعمل على تطوير العمل الاجتماعى والإنسانى فى جهاز الشرطة، وتفعيل الدور الوقائى وسط المجتمع وإشراك المجتمع بكل فئاته فى تحمل مسئوليته لحفظ الأمن وإزالة الحاجز النفسى الواقع بين المواطن وأفراد الشرطة النظامية، نجحوا فى فتح قنوات اتصال بين الشرطة والمجتمع وطوروا آليات عمل أصدقاء الشرطة والعمل التطوعى والخدمى فى مجال الأمن، نجحوا فى أن يكون للمجتمع دور بارز ومؤثر فى منع الجريمة قبل وقوعها، والتعامل السريع والمباشر مع الجرائم والقضايا التى لا تصل إلى الشرطة (جرائم الظل).
نجحوا فى وضع صورة جديدة لجهاز الشرطة النظامية تتيح للمواطنين إبداء الرأى فى احتياجات المجتمع من المجهودات الأمنية والخدمات المقدمة منهم ميدانياً.
نجحوا فى رفع كفاءة ومسئولية شبكة الاتصالات لدى الأجهزة ٍالأمنية وهيئات المجتمع لتلقى البلاغات والمعلومات عن الجرائم ومرتكبيها قبل حدوثها.
ونرى أن خلاصة هذه التجارب تحتم علينا الأخذ منها بما يناسب ظروف المجتمع المصرى وفقاً لدرجة ثقافته وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية بأن تبادر الحكومة المصرية ممثلة فى الوزراء المعنيين بهذا الأمر، ومنهم على سبيل المثال وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير التعليم ووزير الاتصالات ووزير الشباب ووزير الأوقاف ووزير الحكم المحلى سرعة العمل على الآتى:
1- تطوير مناهج التعليم باستحداث مادة إلزامية تسمى مادة الشرطة المجتمعية والثقافة الأمنية تطبق على كل المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية.
2- خلق كيانات جديدة من منظمات المجتمع الأهلى والمدنى يكون غرضها الأساسى مشاركة الشرطة النظامية فى المناسبات الاجتماعية والاحتفالات القومية والدينية وعقد الدورات وورش العمل لشرح فكرة الثقافة الأمنية والشرطة المجتمعية لدى كافة شرائح المجتمع فى المدن والريف.
3- تعديل قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم127 لسنة 1980 وتعديلاته بإضافة مادتين إليه تنص المادة الأولى بضرورة تأهيل المجند -قبل انتهاء خدمته الإلزامية بالقوات المسلحة- بمفهوم الأمن الاجتماعى والشرطة المجتمعية وإعطائه الدورات التدريسية والثقافية وتدريبه على هذا الأمر وخضوعه لاختبار يؤكد اجتيازه ونجاحه فى استيعاب ذلك المفهوم والمادة الثانية اشتراط من يعفى من أداء الخدمة العسكرية -لأى سبب من أسباب الإعفاء المنصوص عليها فى القانون- بضرورة خضوعه لذات الدورات والتدريبات التى يلتزم بها من أدى الخدمة وذلك قبل حصوله على شهادة الإعفاء من الخدمة وكشرط لاستلامه لها وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تأهيل وتدريب ما لا يقل عن نصف مليون فرد سنوياً على مفهوم الشرطة المجتمعية والشراكة الأمنية.
4- إدخال التعديلات اللازمة على القانون رقم 109 لسنة 1971 الخاص بهيئة الشرطة لإضافة فئة «معاون الشرطة المجتمعية» كفئة مضافة لباقى الفئات المنصوص عليها بالمادة 2 من ذات القانون كما يتضمن النص على تأهيل الخفراء النظاميين فى الريف والحضر وتدريبهم على فكرة الشرطة المجتمعية وبث روح التعاون بينهم وبين أفراد المجتمع.
5- استحداث النصوص التشريعية والقانونية التى تتيح إنشاء كيانات وجمعيات ونوادٍ تعمل على خلق روح جديدة لدى المواطن تيسر له طريقة التعامل الأمنى الصحيح مع المعلومة التى يستطيع بها منع الجريمة قبل وقوعها، وإعطاء تلك المنظمات الأهلية الصلاحيات اللازمة لهذا الدور.
6- خلق روح التعاون وإقامة جسور الثقة بين وجهاء العائلات وأعضاء مجالس المحليات فى القرى والمراكز والمحافظات وجهاز الشرطة النظامية وترسيخ مفهوم الشراكة الأمنية بينهما.
7- تأهيل وتدريب أفراد الشرطة النظامية على طريقة جديدة للتعامل مع المواطن ورسم صورة صحيحة عن ذلك الجهاز ودوره الحقيقى فى حفظ أمن المجتمع، مع إضافة مواد دراسية تناسب ذلك الأمر ضمن المواد التى تُدَرس بكلية الشرطة.
8- تفعيل نص المادة 59 من الدستور التى تنص على أن الحياة الآمنة حق لكل إنسان وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أرضها.
أُوقن بأن الأخذ بتلك التلابيب سوف يؤدى حتماً إلى إدماج الشرطة فى المجتمع، واشتراك المجتمع فى جهود الشرطة، بما ينعكس حتماً على عمليات مكافحة الجريمة وانخراط أفراد المجتمع فى أعمال الأمن، فالشرطة لا يمكنها منفردة تحقيق الأمن لمواطنيها، ولا تستطيع العمل فى معزل عن المجتمع.
لا بد أن يعى الجميع أن هناك مصالح مشتركة تتمثل فى تحقيق الأمن، فالمواطن له مصلحة أن تستقر الأوضاع الأمنية، والشرطة كذلك، ولا يتأتى هذا إلا عندما تتوافر الثقة بين الطرفين، وعندما يعى كلاهما أنه فى حاجة ماسة لمجهودات الآخر.
لا بد أن يعى المجتمع خطورة وضرورة اعتبار الوقاية من الجريمة هدفاً قومياً تكرس له الجهود وتُنشأ له المنظمات والهيئات والجمعيات الكفيلة بتحقيقه، خاصةً أن عدم توقى الجريمة والحد منها سيسفر حتماً عن عرقلة وتعثّر جهود التنمية بكافة أشكالها ويقوض الخطط الاقتصادية والاستثمارية للدولة.
أفيقوا يا سادة وخذوا من العالم ما انتهى إليه وحقق به نجاحات كثيرة، فلا عيب علينا إن أخذنا عن الغير ما نجح هو فيه، لكن العيب كل العيب أن نستهزئ بتجارب الآخرين التى أبدعوا فى ابتكارها وأثبتت نجاحات كبيرة على أرض الواقع.
فتقليد الناجح واقتباس آليات نجاحه أفضل من المكابرة والسير بآليات أثبتت فشلها ولم نجنِ منها إلا مزيداً من الفشل والخسارة.
وللحديث بقية ما دامت فى العمر بقية.