المصريون
عادل عامر 2
الاضطراب التشريعي في قوانين الاحوال الشخصية
إن الظروف التشريعية والسياسية التي تمر بها مجتمعاتنا في الوقت الراهن جعلت الساحة القانونية تشهد سيلاً غير عادي من تغيير التشريعات، بل وتلاحق التعديلات على التشريع الواحد بالأخص في مجال قوانين الأحوال الشخصية، وهي القوانين التي تتعلق بالأسرة والمرأة والطفل،
وذلك بصورة تجعل الحليم حيران؛ فما يكاد يصدر تشريع حتى يلحقه تعديل، ثم ثانٍ وثالث بما يجعلنا نترحم على فترات تاريخية كان إعداد القوانين فيها يشهد درجة من الإتقان وتلبية حاجات المجتمع تجعله يبقى لعشرات السنين دونما أي حاجة إلى تعديل؛ وذلك لثبات المرجعية التي يستمد منها هذا التشريع، والسبب في ذلك الاضطراب التشريعي يوضحه أحد رجال القانون بقوله:
" ولا شك أن منظومة قوانين الأحوال الشخصية في مصر حاليًا هي النموذج الأوضح لتتابع التدخلات الكثيرة. فمنذ عام 1979-2006م أي27 سنة على التوالي وهي تتعرض لتعديلات انفعالية توترية في أغلب الأحيان لدرجة بلغت إصدار قانون ثم تعديله خلال شهور قليلة، وقد تمالا على استهداف قوانين الأحوال الشخصية بهذا الحال عوامل عدة منها -هوجة-ما أُطلق عليه تعبير العولمة والتسلط به على القوانين الداخلية، و
وقد كان يغني عن هذا كله، ويحقق الآمال الصالحة للمرأة والرجل والأسرة والأبناء -على السواء-في كفالة حقوق كل منهم، إنفاذ شريعة الله بحيدة دون هذا التلفيق".
لم يحدث أي تقنين لمسائل الأسرة في البلدان الإسلامية إلا في أواخر القرن التاسع الميلادي، حينما وضعت تركيا قانونًا مدنيًّا أطلقت عليه اسم "مجلة الأحكام العدلية". وجاء هذا التقنين التركي طبقًا لمذهب أبي حنيفة وأخذت به بعض البلدان الإسلامية كسوريا ولبنان والعراق والأردن.
ثم وضعت مصر عام 1883م قانونًا مدنيًّا يكاد يكون مطابقًا للقانون الفرنسي الصادر سنة 1804م، وبعد أن كان تطبيق الشريعة الإسلامية شاملاً كل أوجه الحياة، بدأت السلطات الحاكمة تحصره في نطاق الأحوال الشخصية وذلك في عام 1915م، حينما كلفت لجنة من كبار العلماء على المذاهب الأربعة وضع قانون مسطور للأسرة وجاءت الحرب العالمية الأولى فتوقف المشروع.
ويُرجِع البعض سبب ظهور هذا المصطلح الدخيل على الفقه الإسلامي أنه "قبل استيراد القوانين الوضعية -الباطلة شرعًا-لم يكن لهذا التعبير وجود على الإطلاق، فكان اختراع هذا المصطلح؛ لكي تكون المسائل التي تتصل بأحوال الإنسان الخاصة خاضعة لحكم القواعد الدينية، بعيدة عن نطاق القوانين الوضعية المستوردة التي تتنافى أساسًا مع القاعدة الدينية".
وقد عرفت محكمة النقض هذا المصطلح في الطعن رقم 40 لسنة3 قضائية بجلسة 21/6/1934م حيث بينت أن المقصود بالأحوال الشخصية: "هي مجموع ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثرًا قانونيًّا في حياته الاجتماعية، ككونه إنسانًا ذكرًا أو أنثى، وكونه زوجًا أو أرملاً أو مطلقًا، أو أبًا أو ابنًا شرعيًّا، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو عتهه أو جنونه، وكونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية".
لذا كان على المشرع أن يُحيل في النص تكييف حِلّ وحُرمة الشرط بالرجوع إلى القول الراجح من المذهب الحنفي في كل حالة يخلو فيها قانون الأحوال الشخصية من نص منظم للمسألة؛ وذلك لأن الفقه الحنفي يرى أن الشروط الصحيحة والمعتبرة هي تلك التي يقتضيها العقد على نحو تعد معه جزءًا منه، كاشتراط الزوجة أن تطلق نفسها أو أن يكون والد الزوج كفيلاً بالمهر والنفقة، وحكم مخالفة الشرط عندهم إذا كان الشرط صحيحًا، فالحكم هو حمل المخالف على تنفيذه دون فسخ العقد. وإذا كان الشرط غير صحيح، فإن حكم مخالفته هو إلغاء الشرط مع صحة العقد.
وعلى ذلك فإن الأصل في مذهب الحنفية هو عدم الالتزام بالشرط، حتى يوجد دليل شرعي من نص أو قياس أو عرف يوضح بجلاء أن الشرط جزء من العقد، ومن مقتضاه وإلا أُلغي وبهذا فإن مخالفة الزوج لاشتراط الزوجة في عقد الزواج عدم نقلها من بلدها لا يعطيها الحق في طلب فسخ العقد وإنما الحكم-وفقًا للمذهب الحنفي-هو بطلان الشرط وصحة العقد؛ لأن إقامة الزوجين في معيشة مشتركة هي من مقتضيات عقد الزواج وطاعة الزوجة في المسكن الذي يعده الزوج للسكن لم يرد دليل شرعي على جواز الخروج عليه.
هذه المادة الخاصة بتوثيق إشهاد الطلاق لم تكن موجودة في القانون رقم (25) لسنة 1929، وجاءت برقم (44) لسنة 1979، بأن أوجبت على المطلق أن يبادر إلى توثيق إشهاد طلاقه لدى الموثق المختص، وعلى الموثق تسليم نسخة من إشهاد الطلاق إلى المطلقة أو من ينوب عنها، ويلزم المطلق بالتوثيق سواء كان الطلاق الواقع منه رجعيًّا أو بائنًا.
"وفي شأن الإلزام بتوثيق الطلاق، اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في اشتراط الإشهاد على الطلاق، حيث ذهبت الغالبية إلى أنه ليس شرطًا لوقوعه؛ لأن الأمر في قوله تعالى: (فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)
[الطلاق: من الآية2] هو للندب لا للوجوب، غير أن هؤلاء الفقهاء أجمعوا على أنه لا يلزم لوقوع الطلاق أو ثبوته أن يكون موثقًا". أن: "الأقلية التي قالت بالشهود على الطلاق ذهبت إلى أنه مندوب لا على سبيل الوجوب، فعندهم أن المرأة لو طلقها زوجها ولم يأت بالشاهدين وقع طلاقه قطعًا لأن الطلاق إنهاء عقد لا إبرام عقد، لا يشترط فيه تلاقى إرادة الرجل والمرأة".
"أن العصمة بيد الرجل وما دامت بيده فمن حقه أن يبقي زوجه ومن حقه أن يطلقها دون أن يلزمه أحد بإشهاد الآخرين على ذلك، وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة من بعده. ولو كان الطلاق يحتاج إلى شهود لما كان للزوج قوامة على زوجته، فقوامة الزوج تعطيه حق إمضاء أمر دون أن يستدعى من يشهد عليه ولو ألزم بذلك لكانت قوامته ناقصة. أما عملية الزواج فإنها تحتاج إلى شهود لأنها عملية إنشاء قوامة، أي أن القوامة غير موجودة ويتم إنشاؤها فنحتاج إلى شهود لذلك، كما أن الطلاق بالكناية يؤكد أن الطلاق لا يشترط فيه الشهود".
وفي حكم نقض جلسة 28/4/1976م في الطعن رقم30 "لا يشترط لإيقاع الطلاق حضور الزوجة؛ لأن المشرع جعله حقًا للزوج يستقل بإيقاعه من غير توقف على رضاها".
ومع ذلك تأتي المادة (21/1) من قانون (1) سنة 2000م لتؤكد عدم الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق.
وفي القانون رقم (100) لسنة 1985م مادة (5) مكرر "على المطلِّق أن يوثق شهادة طلاقه لدي الموثق المختص خلال ثلاثين يومًا من إيقاع الطلاق".
"وتعتبر الزوجة عالمة بالطلاق بحضورها توثيقه، فإذا لم تحضره كان على الموثق إعلان حصول الطلاق لشخصها على يد محضر (موظف من قبل المحكمة)، وعلى الموثق تسليم نسخة إشهاد الطلاق إلى المطلقة أو من ينوب عنها وفق الإجراءات التي يصدر بها قرار وزير العدل".
وحول عدم الاعتداد بالطلاق إلا بالإشهاد والتوثيق "وهذا النص لا يصح إلا أن يقصد به الإثبات القضائي للطلاق؛ لأن الطلاق يقع شرعًا بالتلفظ به من الزوج، وهو يقع ولو كان الزوج هازلاً، ولا يعقل أن يكون المقصود بالنص في هذه المادة عدم الاعتداد بالطلاق، أي عدم اعتباره واقعًا بين الزوجين، مع أنه في بعض الحالات يزيل آصرة الزواج، ولا تجوز معه المعاشرة بين الزوجين‏ كما في الطلاق المكمل للثلاث (عند الطلقة الثالثة)، وعدم الاعتداد به في هذه الحالة يرتِّب نتائج خطيرة شرعًا،‏ فالعلاقة بين الزوجين لا تكون جائزة، والولد الذي يولد منها يكون مولودًا خارج الزواج الصحيح،
لذلك يتعين التصريح على أن المقصود هو عدم سماع دعوى التطليق أو دعوى إثبات الطلاق،‏ وليس عدم الاعتداد بالطلاق نفسه، ويجب أن يقيد النص على عدم سماع الدعوى بكونه بعد العمل بهذا القانون،‏ بحيث تستمر المحاكم في سماع دعاوى إثبات الطلاق السابق وقوعه على العمل بالقانون الجديد تجنبًا لأي محظور شرعي يوقع المكلفين في حرج أو يبيح ما حرَّم الله فعله‏".
إثبات المراجعة (توثيق المراجعة):
بعد صدور القانون رقم (1) لسنة 2000م، صار لا يقبل ادعاء الزوج مراجعة مطلقته ما لم يعلنها بهذه المراجعة بورقة رسمية قبل انقضاء ستين يومًا لمن تحيض، وتسعين يومًا لمن عدتها بالأشهر (أي المرأة التي لا تحيض) من تاريخ توثيق طلاقه منها، وذلك ما لم تكن حاملاً أو تقر بعدم انقضاء عدتها حتى إعلانها بالمراجعة. ونتفق مع الرأي القائل بأن هذا يفتح بابًا لمخالفة الشريعة "إن عدم قبول ادعاء الزوج مراجعة مطلقته ما لم يعلنها بهذه المراجعة بورقة رسمية قبل انقضاء تسعين يومًا من توثيق طلاقه لها، هذا النص يبيح للرجل إعلان زوجته المطلقة بمراجعته لها إعلانًا يعتد به القانون بعد انقضاء عدتها". وذلك لأن التوثيق قد يتم بعد التطليق بفترة قد تطول، كما أن العدّة بنص القرآن الكريم مدتها ثلاثة قروء ولا تحسب بالأيام وقد تنقضي فعلاً بالقرء الثالث قبل التسعين يومًا.
تقنين الاقتران غير الشرعي (بالتدريج):
جاءت المادة (17) من القانون رقم (1) لسنة 2000م لتنص على قبول دعوى التطليق أو الفسخ عند إنكار الزواج إذا كان الزواج ثابتًا بأية كتابة كرسالة خطية من الزوج (حتى لو لم يكن عقد زواج شرعي)، "ولا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1939م، ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية، ومع ذلك تقبل دعاوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتا بأية كتابة". في حين لو ادَّعى رجل على امرأة أنها زوجة له مستندًا إلى عقد زواج عرفي ولم تصادقه المرأة على ذلك، جاز لها أن تطلب من المحكمة أن تحكم بمنع تعرضه لها في أمور الزوجية، ويتعين القضاء لها بما طلبت.
وقد انتقد بعض الفقهاء القانونيين هذه المادة، وطالبوا بإلغائها لأنها -في رأيهم-تمثل شكلاً من أشكال الاعتراف بالاقتران غير الشرعي -والمسمى زورًا بالزواج العرفي-بما يفتح الباب أمام ازدياد حالات الاقتران المحرم، إذ تعلم الفتاة مسبقًا أنه بإمكانها أن تطلب من المحكمة تقنين ذلك الاقتران من خلال التطليق أو الفسخ.
وذهب رأي آخر إلى التحفظ على عبارة (بأية كتابة) حيث يجب تغييرها إلى (بعقد عرفي) وبذلك يقتصر سماع دعوى التطليق أو الفسخ على حالات الزواج العرفي الثابتة بعقد عرفي، حيث لا يصح إثبات الزواج العرفي مثلاً بخطاب غرامي، أو ورقة عادية أخرى، لأن ذلك تشجيع للفتيات على الإقدام على الاقتران غير الشرعي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف