الوطن
عبد العظيم درويش
محافظة الجيزة.. و«القطنة ما بتكدبش»!
لنتفق مبدئياً على أن أقصر الطرق لمواجهة أى مشكلة هو الاعتراف بوجودها وليس بمحاولة التعتيم عليها أو إخفائها‏، ‏ ومن هنا فإن المكاشفة والمصارحة مع النفس تستلزم أن نعترف بأننا قد أصبحنا مدمنين لثقافة «التظاهر بالعمل» وأن هذه الثقافة باتت مؤسسية لها من يحميها ويدافع عنها بل لها أيضاً من يسعى لنشرها‏!‏

وثقافة «التظاهر بالعمل» هى البعد الجديد أو الوجه الثانى من «عملة البطالة المقنعة» وهى الظاهرة التى عانينا ولا نزال نعانى منها منذ منتصف الستينات وقت أن كان المفهوم السائد لدى الدولة يقضى بحتمية تكديس جميع الخريجين من الجامعات والمعاهد وحملة المؤهلات المتوسطة فى وظائف حكومية بصرف النظر عن حاجة العمل إليهم أو ملاءمة تخصصاتهم لطبيعة العمل الموكل إليهم لا لشىء إلا لتؤكد الدولة وفاءها بتنفيذ الالتزام الاجتماعى الذى قطعته على نفسها بتعيين الخريجين‏!!‏ دون أن يبذل القائمون على تنفيذ هذا الوعد أى مجهود لمراعاة مواءمة التخصص للوظيفة‏، ‏ وهو ما أفرغ هذا الالتزام من أى مضمون إيجابى له‏!!‏

غير أن الثقافة الجديدة التى غزت حياتنا أثمرتها أسباب إضافية غير تلك التى أدت إلى بروز ظاهرة البطالة المقنعة.. فـ«التطور» أيضاً قد لحق بالظواهر السلبية‏.. ‏ فالبعض يحلو له أن يحيل القاعدة إلى استثناء ليصبح الاستثناء هو القاعدة بدرجة منحت من يؤدى عمله الطبيعى شجاعة المطالبة بمكافأة أو حافز مقابل أدائه لعمله‏ المكلف به ويتسلم مرتبه عن أدائه له!‏

القضية هنا أن من يصطدم بهذه الثقافة المؤسسية وإن كان يرفضها من القيادات الوسيطة‏ المفترض فيهم مقاومتها أملاً فى تصفيتها والقضاء عليها‏، إنما يؤثر السلامة ولا يكاشف برفضها بل إنه يكتفى فى تقاريره إلى «معالى الوزير.. أو سيادة الدكتور المحافظ» التى يحرص على أن يسطرها على ورق مصقول تتصدرها عبارة مكتب وكيل الوزارة بأن «تعليمات سيادتكم وتوجيهات معاليكم» قد نفذت بكل دقة وأن تقارير المتابعة الميدانية تؤكد جميعها أن «كل شىء على ما يرام»‏!!‏ فى حين أن الواقع يؤكد عكس ذلك تماماً!

ومع افتراض حسن النيّات بأن هذه النوعية من القيادات الوسيطة ترفض هذه الثقافة فإن السيد الوكيل إما أنه يفتقد الشجاعة الكافية للتصدى لها أو الكشف عنها وهو أضعف الإيمان أو أن هذه الثقافة قد نمت وانتشرت بصورة سرطانية يصعب التصدى لها، وأنه -أى السيد الوكيل- يتجنب أى أسباب قد تؤدى إلى تعكير صفو المسئول‏!!‏ وهو الأمر الذى يدفعنا إلى ضرورة البحث جدياً عن وسائل للتصدى لهذه الظاهرة قبل أن تبتلعنا رمالها المتحركة‏!!‏

وإدمان هذه الثقافة يسيطر علينا دائماً إلى أن تحين الفرصة للتخلص منها وهجرها مؤقتاً، غير أنه للأسف لا تخرج «هذه الفرصة المؤقتة» إلا حين «لحظة المطالبة» بما نتوهم أنه حق لنا أو «لحظة مرور مسئول» من أمامنا!

أوضح مثال لـ«فرصة التخلص من هذا الإدمان» مؤقتاً فى الحالة الأولى عندما يصرخ العاملون فى أى شركة أو مصنع مطالبين بأرباحهم وحوافزهم السنوية فى حين أن شركتهم قد مُنيت بخسائر فادحة.. «ولا أريد توصيف هذه الحالة»!

فيما يتعلق بالحالة الثانية «مرور مسئول» سواء بالصدفة أو لتفقد سير العمل فيتحول المكان إلى «خلية نحل» ويفوق فى نشاطه «نهائى المونديال» بين فرنسا وكرواتيا، وتختفى كل الحجج التى كانت تسود موقع العمل طوال الوقت!

الحديث هنا بمناسبة انعقاد «المؤتمر السادس للشباب» فى جامعة القاهرة يومى السبت والأحد الماضيين ومرور الرئيس فى طرق الجيزة التى تحولت إلى قطعة من «سويسرا» إلى درجة أن البعض من مواطنى المحافظة لم يستطع أن يصل إلى منزله بسهولة وظل يبحث عنه فترة طويلة بعد أن اختفت أهم الملامح التى كانت تميزه وهى «أكوام القمامة» من أمامه!

«نظافة الشوارع» لم تكن هى فقط أهم المتغيرات التى طرأت على شوارع المحافظة.. إذ إن حركة المرور قد انتظمت بصورة لم يكن أحد يتخيلها.. حتى كوبرى أكتوبر الذى يربط بين الجيزة والقاهرة لم يكن هناك حتى مجرد «عقب سيجارة» على أرضه وأن «تمثال عامل النظافة» -الذى يجرى نصبه كل يوم فى أماكن تكدس السيارات وهو يمسك بـ«مقشته» ويحملق فى ركاب السيارات المتكدسة ولا يتحرك إلا عندما يلمح أن أحد ركاب السيارة قد فتح زجاجها ليمنحه أى شىء- قد دبت فيه الحياة وعاد «يكنس» أرضية الكوبرى!

حتى الفوارغ بين الفواصل الأسمنتية لعزل الاتجاهين على الكوبرى قد تراصت فيها «أقماع المرور البلاستيكية» بألوانها «البرتقالية الزاهية كما لو كان جرى تصنيعها قبل لحظات من رصها فى هذه الفواصل»!.. وفى المساء وعندما تنتهى جلسات المؤتمر تعود الأمور إلى ما كانت عليه.. فتمر سيارة لا أعلم تتبع أى جهة لتجمع هذه «الأقماع» مرة أخرى لتعود إلى مخازنها!

وعند النزول من أعلى الكوبرى فى نهايته حيث كان هناك -ولاحظ تعبير «كان هناك»- مطب اصطناعى فى نهاية منزل الكوبرى، يكفى المرور عليه لأن تصطدم رأس قائد السيارة بسقف سيارته حتى ولو كان يسير بسرعة 20 كيلومتراً فى الساعة، جرى ضبطه وأصبح منساباً تماماً، إضافة إلى دهانه باللونين «الأصفر والأسود»!

ولأننا بالطبع لا نملك تنظيم مؤتمر كل يوم فى كل مكان سواء فى الجيزة أو غيرها من المحافظات يشارك فيه الرئيس.. ومع كامل استيعابنا لممارسات البعض وسلوكياتهم السلبية فى الطرق، فإنه يبقى السؤال: إذا كان فى استطاعتنا أن نحقق كل ذلك -حتى لو بذلت الأجهزة المعنية جهداً إضافياً- لنُبقى على شوارعنا نظيفة.. وألا نكتفى بـ«تمثال عامل النظافة» على الكوبرى.. وعلى انسياب حركة المرور.. وإعادة إصلاح «المطبات الاصطناعية» حفاظاً على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، فلماذا لا نستمر فيه؟.. وبمعنى آخر «أليس من الأفضل أن تظل شوارع محافظة الجيزة وغيرها من المحافظات على صورتها النظيفة.. أم تعود إلى ما اعتاد عليه سكانها.. «والقطنة ما بتكدبش»؟!!

فيما يتعلق بالحالة الثانية «مرور مسئول» سواء بالصدفة أو لتفقد سير العمل فيتحول المكان إلى «خلية نحل» ويفوق فى نشاطه «نهائى المونديال» بين فرنسا وكرواتيا، وتختفى كل الحجج التى كانت تسود موقع العمل طوال الوقت!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف