الأهرام
اللواء أ.ح.د.م. سمير فرج
«لسه الأمانى ممكنة»
لا أعلم لماذا تذكرت هذا العنوان، وأنا أقود سيارتى فى عطلة نهاية الأسبوع، متجهاً إلى الساحل الشمالى على طريق مصر-الإسكندرية الصحراوى الرائع الذى بدا لى مدخله، وكأنه أحد مداخل الأوتوبان السريعة فى ألمانيا، خاصة فى ظل الالتزام بوجود جميع العلامات الإرشادية، والحواجز الإسمنتية، وعلامات السرعات فى صورة مثالية.

وبالرغم من انبهارى بجودة الطريق، فإننى، فى الحقيقة، لم يساورنى الشك، يوماً، فى كفاءة وقدرة، اللواء مجدى أنور، صديقى فى وزارة الدفاع أيام الخدمة، على الوصول بهذا الطريق، وغيره من الطرق، التى يديرها جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة المصرية، إلى ذلك المستوى المتميز، الذى طالما حلمت بوجوده فى مصر، منذ سنين طويلة، حينما كنت أقود سيارتى على أوتوبان ألمانيا، أو الهاى واى فى أمريكا، وكنت، حينها، أتساءل، هل يمكن أن يأتى اليوم، الذى يصبح لدينا مثل هذه الطرق. ويبدو أن الأمانى ممكنة فى مصرنا الغالية.

توقفت فى إحدى محطات البترول، على الطريق، لأتزود بالوقود، وخلال عملية ضبط الإطارات، دار بينى وبين عامل المحطة حديثاً، أردت من ورائه الاطمئنان على أحواله، وأحوال زملائه، من العاملين بالمحطة، وظروف عملهم على هذا الطريق. وكان الرجل بشوشاً، ومتجاوباً فى الحوار، مجيباً أن ظروف عمله فى المحطة، محترمة للغاية، إذ توفر لهم إدارتها سيارات للانتقال منها وإليها، إضافة إلى وجبة غداء أو عشاء وفقاً لأوقات الورديات. كما أن الراتب، مضافاً إليه الإكراميات اليومية، يوفر لهم دخلاً يحمدون الله عليه.

ولما سألته عن رأيه فى جودة الطريق، أجاب بأنه يعمل على ذلك الطريق منذ سنوات، لم يشهد فيها ما شهده مؤخراً من تطورات إيجابية وحكى لى عن حادث سير وقع فى الأسبوع الماضي، بالقرب من مقر عمله، وكيف انبهر بسرعة رد الفعل، إذ وصلت سيارة الإسعاف فى دقائق معدودة، يصحبها سيارة من شرطة مرور الطريق، ومعهم مندوب من إدارة، نظراً لأن الحادث قد خلّف تلفيات فى أحد الحواجز الإسمنتية، مضيفاً أنه بعد ذلك بعشر دقائق، وصلت سيارة تحمل حاجزاً أسمنتياً جديداً، لتركيبه فوراً، بعدما تحمل المتسبب فى التلفيات، ثمن ما أتلفه، وفقاً لمحضر رسمي. وعلق عامل المحطة على ذلك الموقف قائلاً، علشان كده الطريق ماشى زى الساعة، زى ما حضرتك شايف وأكملت طريقي، وأنا أردد لسه الأمانى ممكنة.

وقد لفت انتباهى أن هذه الطفرة الكبيرة فى تطوير الطرق، قد أحدثت نقلة نوعية فى صناعة الإعلانات على الطرق وأضافت إليها مجالات واسعة للإبداع والتميز والرقي، وهو ما لا يقتصر على الطرق السريعة، فحسب، وإنما ينسحب إلى محاور المدينة الداخلية مثل الطريق الدائري، وفى الطرق المؤدية إلى المدن الجديدة مثل السادس من أكتوبر، والقاهرة الجديدة، وغيرهما.

ووصلت إلى الساحل الشمالي، الذى أعتبره أجمل بقاع الدنيا، خاصة بعدما أمضيت ثلاث سنوات كملحق عسكرى فى تركيا، اعتدت خلالها على ترك أنقرة فى عطلات نهاية الأسبوع، لقضائها على ساحل أنطاليا، الذى تعيش تركيا على دخله من السياحة، طوال العام وهو سبب نهضتها السياحية، حيث يستقبل 18 مليون سائح من مختلف أنحاء العالم إلى منتجعاته السياحية بمدن بودرم، ومارمريز مقر أردوغان الصيفي، وكابادوكيا، وغيرهم. وأقسم بالله أن ساحل أنطاليا لا يرتقى للساحل الشمالى فى مصر وأبسط دليل أن السائح فى تركيا لا يستطيع نزول البحر، بسبب سواد مياهه، والطبيعة الصخرية لأغلب الشواطئ، وتعتمد جميع منتجعاتهم السياحية على حمامات السباحة.

وتصادف وجودى فى الساحل الشمالي، مع وجود صديقى محمد العبار، رجل الأعمال الإماراتي، لافتتاح أحد مشروعاته فى الساحل الشمالي، وأقول صديقي، لأن صداقة وطيدة قد جمعتنى به، بعدما قدم هدية لأهالى الأقصر، عبارة عن 80 منزلا، ومسجد، ومدرسة للفتيات، بسبب حبه الخالص لمدينة الأقصر، بالرغم من عدم وجود أى استثمارات له فيها. وفى أثناء افتتاحه مشروعه، فى الساحل لشمالي، أعلن فى لقاء تليفزيونى أنه يعتبر الساحل الشمالى فى مصر، أجمل بقاع الدنيا، ولا مثيل له فى العالم، ولا حتى فى جنوب فرنسا. عندما سمعت كلماته، تذكرت مقالاً، كتبته فى نفس هذا المكان، فى العام الماضي، تحسرت فيه على مشهد تلك الكتل الإسمنتية، من الشاليهات، التى اصطفت على طول الساحل الشمالي، من غرب الإسكندرية حتى تعدت مدينة مطروح، وكيف أنها لا تستخدم إلا لأسابيع معدودة كل عام، ولا تدر أى دخل قومي، بينما امتداد هذا الساحل يدر دخلاً لتركيا يتجاوز 18 مليار دولار سنوياً. وعبرت فى ذلك المقال عن خوفى من امتداد هذه الغابة الإسمنتية حتى السلوم، بما يفقدنا ما تبقى من هذا الساحل، الذى يجب استغلاله ليكون مصدراً للدخل السياحي.

وحمدا لله، فإن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى أصدر بعدها قراره بإيقاف أى تخصيص جديد للأراضى فى هذا الاتجاه إلا إذا كانت لأغراض الاستثمار السياحي. واليوم أتساءل عن إمكانية إعادة بحث المخصصات السابقة، للنظر فى إمكانية تحقيق استفادة قصوى من هذه الغابات الإسمنتية فى ظل إنشاء مدينة العلمين الجديدة وما تحتويه من مطار جديد، وشبكة طرق حديثة بما يخدم المنطقة بأسرها، ويحقق قيمة مضافة للدخل القومي. يا ترى لسه الأمانى ممكنة؟.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف