الأهرام
سعاد طنطاوى
سجن بلا جدران
أصبحت وظيفة مركز معلومات مجلس الوزراء يوميا نفى الشائعات، التى تمثل أكبر سلاح يستخدمه الأعداء فى شن حرب نفسية تدمر الدولة ومواطنيها، وبمناسبة هذه الحرب النفسية نتذكر ما حدث عقب انتهاء الحرب الكورية (1950 – 1953) حين اكتشف الأمريكيون أن كوريا الشمالية استعملت ضد جنودهم الأسرى في معسكرات الاعتقال أساليب مبتكرة للحرب النفسية، كان تأثيرها مدمرا للغاية.
هذه النتيجة توصل إليها الجنرال "وليام ماير" كبير المحللين النفسيين في الجيش الأمريكي آنذاك، بعد أن تعرف عن قرب على حياة آلاف العسكريين الأمريكيين الذين شاركوا في تلك الحرب المدمرة وذاقوا طعم الأسر في كوريا الشمالية.

وصف الجنرال ماير ظروف حياة أسرى الحرب في كوريا الشمالية، بالقول إنها لم تكن شديدة القسوة ولا يمكن وصفها بأنها لا إنسانية، إذ كان يقدم للجنود الأمريكيين طعاما مقبولا وكميات مياه كافية، وكان لهم سقف يأويهم، وكانوا يعاملون بطريقة جيدة، ولم يتعرضوا للتعذيب ولم تغرس الإبر تحت أظافرهم، وعلى العكس تماما فما سُجل في كوريا الشمالية من حوادث العنف الجسدي كان أقل بكثير مما سُجل في مثل هذه المعتقلات في أي صراع عسكري خطير مشابه في القرن العشرين.

دراسة ماير تقول رغم أن مخيمات الاعتقال التي وضع فيها الأسرى الأمريكيين لم تكن محاطة بالأسلاك الشائكة ولا بحراسات مشددة، وكانوا يتحركون بحرية لم يحاول أى منهم الهرب، لكن ارتفعت معدلات وفيات الأسرى من الأمريكيين، وسُجل موت 1000 عسكري أسير في معتقل واحد فقط.

وكان السر فى " الحرب النفسية " حيث جعل الكوريون الشماليون الأسرى الأمريكيين يفقدون تواصلهم الطبيعي وثقتهم في بعضهم البعض، فانتشر الشجار والخصام بينهم ما دفع عدد منهم إلى التودد للسجانين القائمين على ادارة المعتقل.

تكتيكات الحرب النفسية "الجهنمية" هذه لخصها "ماير" في أربع نقاط منها التشجيع على جلد الذات، الوشاية بين السجناء وبعضهم، وقتل الروح الوطنية، وعدم السماح بأى نوع من المساندة العاطفية الإيجابية، التى ترفع المعنويات، بتوصيل الأنباء والرسائل التي تحمل أخبارا سيئة ومحزنة بسرعة وحجب ما يسر منها "اليأس المطلق"، الذى كان أثره أفظع من ترهيب الأسرى أو تعريضهم للعنف، فماتوا ببطء من دون أى جهد بدني من قبل سجانيهم.

وإذا نظرنا إلى حالنا اليوم نجد أننا لا نسمع سوى الأخبار السيئة، ونجلد ذاتنا، ونعيش حالة من العذاب الصامت، وكله بما كسبت أيدينا لأننا نعطى دائما الفرصة لعدونا أن يسمعنا أسوأ الأخبار، ونحن نتقبلها دون وعي، دائما ما يعزف على نغمة الفساد المنتشر والأسعار المرتفعة، والبطالة الزائدة، وقتل المواطنين، وحوادث القطارات والسيارات التى باتت شبه يومية وتعليم فاشل وصحة فى الإنعاش، وخيانة وقتل ودعارة وكلها صورة سوداوية تجعلنا نعيش حربا نفسية تدمرنا، لأننا استتسلمنا لما يبثونه من شائعات، وإن كان منها كثير حقيقى وواقعى إلا أننا لا نستخدم عقولنا وننظر إلى أى إيجابيات حولنا.

فدائما ننظر إلى نصف الكوب الفارغ، ولا ننظر إلى الجزء الممتلىء، دائما نصدق أعداءنا فى أن العرب لا قيمة لهم، وهذا غير حقيقى، بدليل أنهم يستعينون بأكثرهم كفاءة ومهارة، والأسماء عديدة ولا تحصى، بل الحقيقة أنهم يخشون العرب ويريدون نهب ثرواتهم وقيمهم وتدمير شبابهم ونسائهم وأطفالهم بهذه الحروب النفسية.

للأسف وقعنا فى فخ الأعداء ونجحوا فى الوقيعة بيننا فأصبحنا نجلد أنفسنا، وصرنا جميعا أسرى فى سجن بلا جدران لن نخرج منه إلا بالطاقة الإيجابية والتوحد والعمل والإنتاج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف