بوابة الشروق
محمد سعد عبد الحفيظ
الدرس الفرنسى الخشن
خلال الجلسة الأخيرة لدور الانعقاد الثالث لمجلس النواب، برر رئيس البرلمان، عدم استخدام مجلسه لـ«الاستجوابات» كإحدى الأدوات الرقابية التى كفلها الدستور للمجلس النيابى لمحاسبة الحكومة بقوله: بعض الاستجوابات لم تتوافر فيها الشروط الشكلية، وبعضها لم تتوافر فيها الموضوعية، وبالتالى تم حفظها».
تبرير رئيس البرلمان اصطدم بحقيقة الاستجواب الذى سبق وتقدم به النائب محمد بدراوى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية، والذى استوفى الشروط وتم تأجيل البت فيه لحين انتهاء دور الانعقاد الثانى، مما أدى إلى سقوطه وفقا للائحة.
الفقيه القانونى الدكتور على عبدالعال، استكمل تبريره لعدم استخدام الحق فى استجواب الحكومة وفقا للمادة 131 من الدستور، قائلا: «الاستجواب إجراء خشن يترتب عليه سحب الثقة من الحكومة»، مضيفا «الاستجوابات اتلغت من بعض الدساتير ومنها الدستور الفرنسى».
لا أعلم كيف جزم خريج السوربون وأستاذ القانون الدستورى وعضو لجنة صياغة دستور 2014، بأن الدستور الفرنسى ألغى الاستجواب كأداة رقابية تمارسها الجمعية الوطنية استنادا إلى المادتين 48 و49 من دستور 1958؟.
من حق عبدالعال ومجلسه أن يعطلوا أداة رقابية كفلها لهم الدستور لحساب الحكومة، لكن تبرير ذلك أمام الرأى العام بمعلومة مشكوك فيها، ذلك ما يجب مراجعته. فالدستور الفرنسى منح الجمعية الوطنية الحق فى طرح الثقة بالحكومة بآلية تسمى «اقتراح اللوم»، وهى الوسيلة التى يستطيع نواب البرلمان من خلالها التصويت على قرار بإسقاط الحكومة وذلك بعد ثبوت اتهامها بالتقصير.
وضع دستور «الجمهورية الخامسة» بعض القيود التى وضعها الدستور المصرى لقبول اقتراحات اللوم «الاستجوابات»، منها «تقديمه فى جلسة علنية، وأن يكون موقعا من عشر أعضاء الجمعية الوطنية الحاضرين، وأن يمضى على تقديم الاقتراح 48 ساعة.. إلخ.
إذن فى فرنسا كما فى معظم دول العالم، للبرلمان الحق فى سحب الثقة من الحكومة، وهو حكم بعدم الصلاحية السياسية، وفق إجراءات ينظمها الدستور والقانون، ولا يصدر الحكم إلا بعد سماع وجهتى النظر واقتناع نواب البرلمان، وهو ما سمى فى فرنسا «اقتراح اللوم» وفى دول أخرى ومنها مصر سمى بـ«استجواب».
آخر الاستجوابات التى جرت داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، كان يوم الإثنين الماضى، حيث مثل وزير الداخلية جيرار كولومب، أمام لجنة تحقيق برلمانية فى إطار قضية ألكسندر بينالا الحارس الشخصى للرئيس إيمانويل ماكرون، الذى أظهر فيديو نشرته صحف فرنسية ضربه لمتظاهرين فى مطلع مايو الماضى.
خلال الاستجواب حمل وزير الداخلية الفرنسى مسئولية الامتيازات التى مُنحت لبينالا إلى مكتب رئاسة الجمهورية، مؤكدا أنه علم بالقضية فى 2 مايو الماضى وأن أجهزته نقلت المعلومة إلى أجهزة الرئاسة، «أثناء عرض مدير مكتبى للوضع الأمنى أعلمنى بوجود شريط فيديو يصور حادثة العنف، وتم إبلاغ مفوض الشرطة بمكتب رئاسة الجمهورية، وهذا هو الإجراء المتعارف عليه حيث يتعين على السلطة العليا اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة»، قال كولومب خلال الاستجواب.
الاستجواب دام قرابة ساعتين ونصف الساعة، وعبر فيه النواب عن دهشتهم من جهل المسئول الأول عن الأمن فى البلاد بكيفية حصول بينالا على رخصة سلاح سبق أن رفضت عدة مرات، وكذلك تواجده فى أغلب المظاهرات ومراسم الرئاسة الرسمية، بالرغم من أن بينالا لا ينتمى إلى فريق الأمن، وطالب هؤلاء النواب بمثول ماكرون ومدير مكتبه أمام لجنة التحقيق لاستجوابهما.
فى فرنسا قامت الصحافة بدورها الرقابى، وأثارت قضية خاصة بانتهاكات حقوق المتظاهرين من قبل موظف فى الرئاسة، ونشرت فيديو لاعتداء حارس رئيس الجمهورية على مواطنين خلال احتجاجات عمالية، وقام البرلمان بدوره الرقابى المكمل لدور الصحافة، واستجوب وزير الداخلية وطالب بعض نوابه باستجواب رئيس الجمهورية.
ولأن فرنسا دولة مؤسسات ولأنها تحترم حقوق المواطنين وتحترم الدور الرقابى للصحافة لم يتم اتهام الصحف التى نشرت صورة لرئيس الجمهورية مع حارسه وكتبت فوقها «احترس من الغوريلا»، ولأن «الجمعية الوطنية» تحترم ثقة الناخبين الذين صوتوا لها، استدعت وزير الداخلية وحاصرته حتى حمل الأخير رئاسة الجمهورية مسئولية انتهاك بينالا لحقوق المواطنين، حدث كل ذلك ولم تتهم الصحافة ولا نواب البرلمان بالسعى لهدم الدولة أو ضرب استقرارها بإشاعة الفوضى وإثارة البلبلة.
انتهى الدرس الفرنسى، وأتمنى على رئيس البرلمان وباقى مؤسسات الدولة المصرية مراجعته، قبل استدعاء أمثلة تعرضهم وتعرض الحكومة كلها للحرج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف