المصريون
محمود سلطان
سبائك ذهب "الزعيم" !
أية دولة، خالية من المؤسسات الدستورية المنتخبة (برلمانات حقيقية للرقابة على أداء السلطة)، وخالية من عدالة مستقلة "عمياء" الكل أمامها سواء، وخالية من صحافة وإعلام يطاردان الانتهاكات والفساد، ولا يدافعان إلا عن الطرف الأضعف وعن حقوقه المشروعة.. وخالية من معارضة وطنية وأحزاب سياسية شعبوية، غير ديكورية، وكبديل حقيقي يخيف "الزعيم"، ويحيله إلى طاقة إبداع خشية استبداله في انتخابات حرة وشفافة.. أية دولة خالية من تلك المكونات، فهي بالضرورة "مشروع فساد" كبير سيبتلع كل ثرواتها ومقدراتها، ويحيل الدولة إلى "بقرة حلوب"، تدر على الزعيم وحاشيته وضاربي الدفوف وحاملي المباخر على عتباته المقدسة ، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
يعتبر القذافي نموذجًا، شاب صغير استولى بالقوة المسلحة على السلطة، وأحال بلده إلى محض "مساحة جغرافية" لم يسكنها إلا القذافي وأولاده وحاشيته ولجانه الثورية الوحشية والفاسدة.. وأحال ثروات ليبيا النفطية، إلى حساباته وحسابات أولاده السرية الخاصة التي صدمت أرقامها الخيالية المجتمع الدولي.
ليبيا ـ طوال حكم القذافي ـ عاشت خالية من أي رقابة على أموال الدولة، لم يسأل عما يفعل هو وأولاده، وكنا نسمع حينها، أن أموال ليبيا، تهرب عبر موانيها ومطاراتها في حاويات.. لم نصدق ما تردد واعتبرناه مبالغة من معارضي الزعيم الليبي.
يوم أمس 28/7/2018، نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، تقارير مروعة عن كنوز القذافى المهربة والمختفية حول العالم، بعنوان: " تجدد التساؤلات حول «الثروة الأسطورية» وسبائك الذهب التي تركها القذافي".
نقلت الصحيفة عن تقارير صدرت عن الأمم المتحدة، تتحدث عن "صناديق من الصلب تحوي 560 مليون دولار (فئة مئة دولار) في بوركينا فاسو، وعن أربعة بنوك في جنوب أفريقيا لديها 20 مليار دولار، ومخازن وأقبية حول بريتوريا وجوهانسبرج فيها أموال سائلة أكثر من ذلك، بالإضافة إلى الماس وقضبان الذهب".
ولفتت الصحيفة إلى أن تسريبات "أوراق بنما" الشهيرة في 2016، التي كشفت النشاطات الواسعة لغسيل الأموال من قبل مسئولين كبار في العالم، أظهرت وجود ثمانية مليارات دولار من ثروة القذافي في بنك في كينيا. وحسب الصحيفة تعقب محققون محاولات من المجموعات المسلحة المعارضة للقذافي لاستغلال أموال سائلة لشراء أسلحة، لكن الأسئلة الأهم تدور حول إمكانية وصول عشيرة القذافي لتلك الأموال"! انتهى الاقتباس.
يمكننا الحديث مطولاً عن أموال ليبيا التي أنفقها السفيه الليبي على عمليات إرهابية حول العالم، راح ضحيتها عشرات الأبرياء من المدنيين، وشراء ذمم زعماء غربيين ودفع رشاوى بالملايين للمرتزقة وجماعات الجريمة في العالم.. وسداد فواتير الدعاية الانتخابية لمرشحين في انتخابات محلية بدول غربية.
كل ذلك من أموال الشعب الليبي المسكين، لأنه عاش في دولة خوف ومخابرات وأجهزة أمنية وحشية.. فرغها بذلك الزعيم من أية رقابة دستورية ومن أية معارضة أو أحزاب أو صحف وإعلام يتتبع ويطارد ويراقب أداء القذافي وعائلته.. والنتيجة كانت مفجعة: شاهدنا القذافي كيف تمت تصفيته.. وكيف آلت الأوضاع في ليبيا من بعده.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف