الجمهورية
د. جميل جورجى
"30 يونيه" نكون أو لا نكون
سيظل حدث ثورة 30 يونيه من الأحداث الفريدة ذات الدلالة الكبيرة التي تتجاوز بكثير المعني اللغوي للحدث فهو أعمق بكثير من مفهوم الثورة من حيث نتائجه.. وقد يكون من الصعب بالفعل توصيف ذلك الحدث من خلال قائمة المفاهيم المتعارف عليها في علم الاجتماع والسياسة لتحديد أهمية ذلك الحدث وأبعاده.. لم يكن ذلك مجرد ثورة علي نظام الطاغوت الذي حل بنا والذي كان سيجر مصر إلي غابة جُب الضياع والفناء والذوبان في داخل ذلك الحلم المجنون. وهو الخلافة المزعومة.. كما أنه يتجاوز بكثير جداً مفهوم المطرقة التي هوت بها مصر من خلال جيشها الوطني علي ذلك المخطط التآمري الجهنمي الذي يسعي منذ قرون لابتلاع المنطقة وتذويب دولها في دوامة التفكك.. ذلك ما أقرت به هيلاري "كلينتون" في مذكراتها. وهو كيف أن ثورة قد وقعت. وبذلك قضت علي ذلك "المخطط الصهيوني" الذي من خلاله الإدارة الأمريكية كانت تريد أن تضع نهاية لذلك الصراع "العربي ــ الإسرائيلي" علي حساب الشعب الفلسطيني والدول العربية.. ذلك ما كان بالنسبة للمنطقة. وذلك المخطط الذي يتخذ منها قاعدة ومسرحاً له فيما سمي بالشرق الأوسط الكبير. أو الشرق الأوسط الجديد. لذلك وقف العالم كله ضد هذه الثورة وحاول النيل منها.. لقد كانت ثورة 30 يونيه بمثابة فضح لذلك المخطط العالمي التآمري وفي ذات الوقت كانت بمثابة حائط الصد وحجر الصدمة الذي أوقفه وأعطي المنطقة فرصة أخري لكي تستعيد أوضاعها.. أما بالنسبة "لمصر" الوطن والكيان. التاريخ والحضارة. رمانة الميزان وبوصلة المنطقة العربية. وقبلة شعوبها ذات الحضارة الممتدة لسبعة آلاف عام.. من هنا فإن أقرب توصيف لهذا الحدث وتلك الثورة الفريدة هو تلك العبارة الشهيرة في مسرحية "وليم شكسبير" وهي "نكون أو لا نكون" أي أن الأمر قد تعلق بصيرورة "مصر" كشعب وحضارة. لقد كانت ثورة "30 يونيه" بمثابة طوق النجاة الذي تعلقت به جموع شعب مصر من وحدة الهلاك وهي جماعة الإخوان وحلمها المزعوم في الخلافة.. لقد كانت بمثابة شهادة ميلاد جديدة لكل مواطن مصري بعدما أوشك علي الموت والتلاشي في غيابة النسيان والضياع.
إن ثورة 30 يونيه قد كانت بمثابة الحفاظ علي كينونة "مصر" ذاتها التي ذكرت في الكتب السماوية في التوراة والإنجيل والقرآن. حيث باركها الله وبارك شعبها بخصائصه وصفاته المتفردة.. تلك هي ثورة 30 يونيه التي أعادت لنا الحياة وحفظت بقاءنا ليس فقط علي المستوي الشخصي وإن كان ذلك مهماً ولكن علي "المستوي الحضاري" والتاريخي كأول دولة وكيان سياسي.. إن تلك الفاتورة التي يتكبدها الشعب المصري الآن متمثلة في تلك الصعوبات الاقتصادية تعد ثمنا بخسا لتلك العوائد الكبيرة التي لا تقدر بثمن.. لقد استردت مصر قوتها كدولة وكيان حضاري كبير واستطاعت أن تصمد في مواجهة تلك الهجمة الشرسة بقوة ومكانة ذراعها الوطني "قواتها المسلحة".. إن "30 يونيه" تعني لنا الأمل في أن الغد سيكون أفضل بكثير وهي تعني أننا كشعب وقيادة قادرون علي امتلاك زمام الأمور وتحقيق المعجزات واختراق المستحيل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف