الوطن
ياسر عبد العزيز
بخصوص قانون الإعلام الجديد
من حُسن حظ هؤلاء الذين تصدوا لإعداد مشروع «قانون تنظيم الصحافة والإعلام»، وحاولوا إبراز فوائده وتوضيح مزاياه، أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذى يرأسه الكاتب الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد، وقع فى خطأ فادح، ينضم إلى سلسلة من الأخطاء المتكررة، التى لا تجعل من استمرار عمل المجلس بطريقته الراهنة أمراً محتملاً.

الخطأ المقصود بطبيعة الحال هو قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحظر النشر فى موضوع «مستشفى سرطان الأطفال 57357»؛ وهو قرار لا يتسق مع الدستور ولا القانون، ولا يخدم حرية الصحافة والإعلام، ولا يقع ضمن نطاق صلاحيات المجلس، ويمثل افتئاتاً على السلطة القضائية، ويرسم لوحة شديدة القتامة عن الطريقة التى يفكر بها المجلس أو يصنع من خلالها قراراته.

ينطوى مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام على عدد من الإيجابيات؛ منها أنه يسد فراغاً تشريعياً حقيقياً، سببه غياب التشريعات التى تقنن حقوق الصحفيين والإعلاميين وواجباتهم، وتستوفى الاستحقاقات القانونية الخاصة بالمواد الدستورية المتعلقة بتنظيم المجال الإعلامى.

ويضم المشروع أيضاً عدداً من المواد التى تقلل من النزعة البيروقراطية التى تهيمن على إدارة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، بما يفتح الباب أمام إدارة هذه الوسائل بأساليب أقل خطلاً وأكثر قابلية للمحاسبة.

لكن من أهم إيجابيات هذا المشروع أنه يلغى القانون 92 لسنة 2016، المسمى «قانون التنظيم المؤسسى للإعلام»، بما يترتب على ذلك من العودة إلى فكرة صدور قانون موحد للصحافة والإعلام، وإلغاء التشكيلات الراهنة للهيئات الإعلامية الثلاث (المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للصحافة، الهيئة الوطنية للإعلام)، وفتح الباب أمام تشكيلات جديدة، يمكن أن تكون أكثر فهماً وإدراكاً للمهمة، وأكثر قدرة على الإنجاز.

كان أداء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى الفترة السابقة مرتبكاً ومهزوزاً، وأكثر ميلاً للمنع والحظر وإنزال العقوبات والجزاءات مقابل مهام التطوير والتأهيل وإرساء معايير ضبط المجال الإعلامى، كما أنه أفرط فى دخول المعارك غير المدروسة، وخلط بين دوره وبين دور وزارة الإعلام، ولم يظهر إدراكاً كافياً لنطاق مهامه وتخصصه، وهو الأمر الذى قاده إلى الأزمة الأخيرة مع النيابة العامة، بسبب قضية مستشفى السرطان، وقبلها الأزمات المتكررة مع الجماعة الصحفية والإعلامية التى لم تجده نصيراً لقضية الحريات كما يرجو له الدستور والقانون.

وبحسب التصريحات المتداولة، فإن مشروع قانون الصحافة والإعلام الجديد -الذى يتضمن ثلاثة قوانين عملياً، يختص كل منها بهيئة من الهيئات الإعلامية الثلاث، فضلاً عن معالجة حقوق الصحفيين والإعلاميين وواجباتهم، وتنظيم المجال الإعلامى بشكل دقيق- سوف يُناقَش مرة أخيرة فى جلسة عامة بمجلس النواب، قبل صدوره فى صورة قانون، بما يترتب عليه من إعادة تشكيل الهيئات الإعلامية، التى سيكون عدد الأعضاء فى كل منها تسعة بدلاً من 13 كما هو راهناً.

وكما يتضمن صدور هذا القانون إيجابيات، فإنه ينطوى أيضاً على سلبيات، وهى سلبيات أشارت إلى بعضها جهات معتبرة؛ مثل نقابة الصحفيين، ومؤسسات فى المجتمع المدنى، كما اقترحت جهات أخرى تعديلات عليها.

من جانبى، سأشير إلى عدد من المشكلات التى يجب تداركها قبل صدور هذا القانون، حرصاً على أن يظل متمتعاً بالاتساق مع الدستور من جهة، وعاكساً لإرادة الدولة المصرية فى تحقيق توازن بين مقتضيات مواجهة التهديدات الأمنية والإرهابية من جانب واستحقاقات حرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان من جانب آخر.

أولاً: فى المادة الرابعة يحظر مشروع القانون على وسائل الإعلام نشر مواد «تخالف الالتزامات الواردة فى ميثاق الشرف المهنى»، وهو حظر غير معقول، لأن مواثيق الشرف هى التزامات طوعية، ترتضيها الجماعات المهنية لنفسها، وغالباً ما تُرَغّب فى تبنيها من دون إنزال عقوبات بحق من يخفق فى ذلك، فإذا تحول ميثاق الشرف إلى قانون ملزم، فقد قيمته وسبب وجوده.

ثانياً: فى المادة الخامسة، يستخدم مشروع القانون عبارات غامضة ومطاطة من نوع «الدعوة إلى نشاط معادٍ للديمقراطية.. أو السماح بذلك»، إذ يعتبر أن هذه المخالفة تبرر عدم التصريح لوسيلة إعلام بالصدور، وعدم السماح لها بالاستمرار.

إن تلك العبارة غامضة، ويمكن أن تحظى بتفسيرات عديدة، وبالتالى ستمنح المجلس الأعلى للإعلام سلطات إيقاف وسائل إعلام بعينها عن العمل وفق تأويلات مفتوحة لمخالفة يصعب جداً تعيينها بدقة.

ثالثاً: يعود المشروع لاستخدام عبارات مطاطة من النوع ذاته مجدداً فى المادة العاشرة؛ إذ يسرد الشروط الواجب توافرها لتفعيل حق إتاحة المعلومات وتوافرها، فيذكر منها «عدم الإخلال بمقتضيات الدفاع عن الوطن».

من الصعب جداً إيجاد تعريف دقيق ومتفق عليه للمقصود بـ«مقتضيات الدفاع عن الوطن»، وهو أمر يفتح الباب على مصراعيه أمام انتهاكات لحرية الحصول على المعلومات بسبب عدم القدرة على تفسير هذه العبارة.

رابعاً: تمثل المادة 19 من مشروع القانون كارثة حقيقية، ويمكن أن تكون مطعناً دستورياً، إذ توسع ولاية المجلس، التى يجب ألا تتجاوز وسائل الإعلام الجماهيرية، لتشمل الحسابات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى، التى يبلغ عدد متابعيها 5 آلاف أو أكثر، ويتيح حجبها، فى حال ارتكاب مخالفات معينة.

وهو أمر يفتح الباب أمام صدور قرارات إدارية بحجب حسابات مدونين وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعى.

خامساً: المادة 29 كارثة أخرى، تقوض حقاً ومكتسباً غالياً حصلت عليه حرية الرأى والتعبير فى مصر بعد نضال؛ إذ تجيز المادة الحبس الاحتياطى فى بعض القضايا التى تُرتكب بواسطة النشر والعلانية؛ وهو أمر يقوض المكسب الخاص بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى هذه الجرائم، كما أنه يمثل تزيداً غير مقبول، خصوصاً أن معظم المستهدفين بهذا الإجراء من المعروفين مجتمعياً، والذين لا يخشى هروبهم، وبالطبع لم تثبت إدانتهم بعد.

سادساً: لم يعالج مشروع القانون أوضاع وسائل الإعلام المملوكة للدولة بشكل يمكنها من الخروج من المأزق الذى تراوح فيه، وإن كانت معالجته أفضل من القوانين السابقة.

وأخيراً، يتضمن مشروع القانون عدداً من المواد التى تشكل تهديداً حقيقياً لحرية الصحافة والإعلام، وهو أمر يجب تداركه قبل أن تتم الموافقة النهائية عليه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف