الأهرام
حسن ابو طالب
هل تغلق طهران مضيق هرمز؟
فى لحظات التوتر وعدم اليقين تبدو كل الأمور والاحتمالات ممكنة بما فى ذلك أكثرها سوءا. وفى الحالة الإيرانية الراهنة تبدو الأمور مرشحة نظريا على الأقل للخوض فى احتمالات عديدة متناقضة ومتضاربة ومثيرة للقلق. فالتهديد المبطن الذى أطلقه الرئيس حسن روحانى قبل سفره إلى النمسا وسويسرا بمنع تصدير النفط من الخليج إذا ما مُنعت بلاده من تصدير نفطها، والذى فسره رئيس الحرس الثورى بأن قواته مستعدة لإغلاق مضيق هرمز إذ طلبت منه الرئاسة الإيرانية ذلك، أثار الكثير من ردود الفعل، أهمها من داخل إيران نفسها التى أعاد رئيس لجنة الأمن القومى فى البرلمان الإيرانى تفسير تصريح روحانى بأنه لم يكن يقصد إغلاق المضيق لأن إيران تلتزم بالمعاهدات الدولية. أما خارجيا فقد جاءت تصريحات المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية بأن القوات الأمريكية وحلفاءها قادرون على حماية تدفق النفط فى المضيق. أما الصين وهى أكبر مستوردى النفط الايرانى فى حدود 22 % من مجمل الإنتاج، فقد تحفظت على التصريحات الإيرانية، وطالبت طهران بأن تبذل جهدا أكبر للاستقرار فى المنطقة.

هذه التصريحات تكشف أهمية استمرار وضع المضيق مفتوحا أمام الملاحة الدولية عموما وأمام تصدير النفط من دول الخليج المُطلة عليه والتى تسهم جميعها بتصدير ما يقرب من ربع الإنتاج العالمى يوميا إلى جميع دول العالم. وهنا يطرح التساؤل نفسه هل بالفعل تستطيع إيران أن تغلق المضيق وعرضه خمسون كيلو مترا وتمنع الملاحة الدولية فيه، وهى محكومة بمعاهدات دولية تحرص كل دول العالم على الالتزام بها؟ وإذا كانت الإجابة بـ «نعم» تستطيع إيران إغلاق المضيق عسكريا أو حتى من خلال إغراق سفينة أو أكثر فى المضيق، فسيأتى السؤال الأهم وهو هل تستطيع إيران أن تتحمل تكلفة هذا الفعل وتداعياته المحتملة؟ الاجابة هنا بكل تأكيد لا تستطيع إيران أن تتحمل هذه التكلفة، فالإقدام على أى عمل عسكرى أو غير عسكرى يؤدى إلى إغلاق المضيق سيُعد دوليا وليس فقط أمريكيا أو خليجيا عملا عدوانيا يبرر الرد عليه من جنس العمل، أى البدء بعمليات عسكرية مُضادة تعنى ببساطة اندلاع حرب دولية وإقليمية ضروس. والمؤكد أن إيران لن تجد من يقف معها فى هذه الحرب المحتملة. صحيح هنا أن الاقتصاد العالمى سيدخل فى دوامة عاتية، وسيرتفع سعر النفط ارتفاعا جنونيا، البعض قدر ارتفاعه إلى حد 400 دولار للبرميل، وسيحدث ارتباك عالمى غير مشهود، وسيدفع العالم كله ثمنا باهظا، لكن الاقتصاد الإيرانى والوضع الداخلى سوف يدفع الثمن الأكبر، وإذا ما جاءت الحرب مع الاضطرابات الداخلية التى تتصاعد وتائرها فى الداخل، فسيواجه النظام الجمهورى الإسلامى أصعب اختبار، ولا يوجد شيء مضمون آنذاك، خاصة مع انكشاف الخطة الأمريكية الإسرائيلية الهادفة إلى إسقاط النظام الإيرانى وتغييره وليس تهذيب أو تغيير سلوكه فحسب.

فى ظنى أن صُناع القرار فى إيران سواء من الإصلاحيين أو المتشددين يدركون ذلك جيدا، ويدركون أيضا أن هذا التهديد اللفظى هو جزء من لعبة الشد والجذب مع الجانب الأوروبى وكل من الصين وروسيا، وهم الذين ما زالوا يتعهدون بالالتزام بالاتفاق النووى رغم الانسحاب الأمريكى ورغم عقوبات الرئيس ترامب على من سيتعامل مع إيران اقتصاديا وتجاريا ونفطيا بعد نوفمبر المقبل. هؤلاء الحريصون على استمرار الاتفاق يدركون بدورهم أن التلويح بالخروج الإيرانى من الاتفاق النووى ما دام لا يحقق المصالح الإيرانية الاقتصادية والنفطية، هو جزء طبيعى من عملية تفاوض معقدة لها تبعاتها فى العلاقات مع الولايات المتحدة التى تصر بدورها على أن ينصاع العالم بأسره وراءها دون أى معارضة أو أن يدفع الثمن فى صورة التعرض لعقوبات غير قانونية وعملية ابتزاز سياسى واقتصادى غير مسبوقة.

ولعل البيان الختامى الذى انتهت إليه الدول الخمس المؤيدة للاتفاق النووى رغم الابتزاز الأمريكى بعد الاجتماع فى فيينا مع ممثلين إيرانيين يوم الجمعة الماضى قد حسم جزءا كبيرا مما تتطلع إليه إيران وليس كله، فالأوروبيون وتحديدا فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكل من الصين وروسيا أقروا خطة من عشرة بنود تتضمن شقا كبيرا من مصالح إيران الاقتصادية بما فى ذلك الاستمرار فى استيراد النفط الإيراني، مع إقرار إجراءات التفافية على العقوبات الأمريكية وضمان تعويضات للشركات الأوروبية التى تستمر فى علاقاتها مع طهران وتتعرض للعقوبات الأمريكية لاحقا، واستمرار الاتصالات البرية والجوية والبحرية. وبهذا الترتيب من الأحداث يمكن الاستنتاج بأن تهديدات روحانى المبطنة وتفسيراتها المتناقضة إيرانيا قد أثمرت موقفا أوروبيا وصينيا وروسيا موحدا يصب فى ضمان مصالح إيران شريطة الالتزام بالاتفاق النووي.

بالقطع هنا ستنظر الولايات المتحدة ولاسيما رئيسها ترامب بأن هذا الموقف الخماسى هو نوع من التحدى الكبير الذى يجب رده، ولن يكون مستبعدا أن يبالغ الرئيس ترامب فى فرض العقوبات على الشركات الأوروبية التى قد تلتزم موقف حكوماتها فى استمرار التعامل مع طهران. هنا سيكون على الأطراف الخمسة أن ترد الصاع صاعين من منطلق الحفاظ على مصالحها، أو أن تلتزم الصمت. وفى الحالة الثانية فسيعنى ذلك إقرارا بعدم القدرة على حماية المصالح الأوروبية والصينية والروسية. والمرجح أن مبدأ الرد بالمثل سيكون حاضرا، كما هو الحال فى الحرب التجارية التى بدأتها الولايات المتحدة بفرض رسوم إضافية على السلع الصينية وأخرى أوروبية وكندية وروسية، فما كان من تلك الدول إلا أن ردت بالمثل وفرضت رسوما مماثلة، مما جعل الإجراء الأمريكى بلا معنى ومن شأنه أن يؤثر على كل من المستهلك الامريكى والصناعة الأمريكية نفسها.

إن قدرة أمريكا على إيذاء الآخرين دون رد مماثل لم تعد صيغة صالحة. لقد كبرت الدول الأخرى وصارت لها القدرة على الرد حتى ولو جاء أقل حدة، ولكنه يوجه رسالة الى البيت الأبيض بأن زمن الوصاية الأمريكية المطلقة قد ولي. هذا أيضا ما تدركه إيران التى يعمد ساستها إلى توظيف كل ما لديهم من قدرات بما فى ذلك التصريحات ونقيضها فى الحفاظ على مصالحها قدر الإمكان، وفى عزل التأثيرات السلبية التى يجاهد ترامب وإدارته فى فرضها على الإيرانيين حكومة وشعبا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف