الأهرام
ليلى تكلا
الماء سر الحياة.. الأحوال المائية دوليا(1)
فى أواخر القرن الماضى، وأولى سنوات القرن الحالى كتبت عددا من المقالات عن قضية المياه. أدركت خطورتها وأهميتها خلال صداقة أعتز بها مع اثنين من اساتذتى الكبار الذين لهم مكانة مرموقة دولياً هما د. محمد عبد الفتاح القصاص، د. مصطفى طلبة. د.القصاص له كتاب بعنوان «النيل فى خطر» لو اهتم به المسئولون عندئذ لأمكن تخفيف بعض الأضرار التى نعانى منها اليوم.

المياه ليست قضية موسمية. بل هى قضية دائما ومستمرة، تزداد حدتها فى ظروف معينة. نعود اليها لخطورتها فى هذه المرحلة. أجد نفسى مضطرة إلى تكرار بعض ما سبق طرحه وتناول المستجدات التى طرأت التى أصبحت تطرح مسئوليات على الحكومة والمشرع وعلى كل مواطن.

ترتبط قضية المياه بكثير من جوانب الوجود. الحياة ذاتها لا تستمر دون المياه. كما ترتبط بقضية الأمن الغذائى، والغلاء والأسعار، والفقر والبطالة والصحة والنظافة وتتصل بمشكلة التغير المناخى الذى نتج عنه تناقض ما بين فيضانات وسيول من ناحية، وجفاف وتصحر من ناحية أخرى. كما أن 19% من الكهرباء فى العالم مصدرها الطاقة المائية، وهى قضية لها علاقة وثيقة بمسائل الديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان وسلوك المواطن والثقافة العامة.. جوانبها متعددة تتفاوت بين نوعية المياه وخلوها من التلوث ومصادر المياه والوفرة ، كما تثير وبشدة قضايا الالتزام والإهدار وضرورة الترشيد.

وهى تؤثر تأثيراً مباشرا فى السلام حيث أصبح «الأمن المائى» عاملا أساسيا فى استقرار السلام الاجتماعى وتشير النظرة المستقبلية إلى أن الحروب القادمة سوف تتعلق بالنزاع حول المياه.. وبعضها بدأ بالفعل. إنها قضية بقاء أو فناء.

ولما كانت نقطة البداية فى التوعية بأى قضية، هى دائما التعريف بالحقائق الأساسية عنها حتى نستوعب أبعادها. نبدأ بتوضيح حقائق أساسية تتعلق بواقع الحالة المائية كونيا وإقليميا ووطنيا. ثم تناول مسئولية الحكومة ومسئولية المواطن ازاءها.

الحقيقة الأولى تقول أن سبعة أعشار الأرض تغطيها المياه. مما يعطى انطباعا بالوفرة لكن 89% منها فى البحار والمحيطات أى مياه مالحة يبقى 2% مياه عذبة هذه منها 7ر1% متجمد فى الأقطاب أو على بعد عميق من سطح الأرض. هذا يعنى أن كمية المياه المتاحة لاستخدام البشر والكائنات وزراعة الأرض والتصنيع.. الخ لا تزيد على 3ر.% من المياه العذبة بينما الكميات الهائلة الأخرى التى يشملها الكون مالحة أو فى غير متناول الإنسان بسهولة. التصور السائد أن المياه متوافرة وكثيرة، تحيط بنا فى كل مكان مساحاتها شاسعة بين القارات وداخلها ، تصور خاطئ لابد من تصحيحه إن أردنا أن نواجه الواقع والحفاظ على أحد الموارد الأساسية للحياة. الاهتمام بالمياه ليس أمراً حديثا فقد أدرك الإنسان الأول قيمة المياه وتأثيرها على الحياة وكان الاستقرار وقيام المجتمعات والحضارات على ضفاف الأنهار سواء فى مصر أو العراق أو الصين. برع الفراعنة فى التعامل مع المياه فأقاموا الجسور والمقاييس وابتكروا وسائل الحفاظ عليها. ونعلم جميعا أن إلقاء ملوثات فى نهر النيل العظيم كان خطيئة تستحق العقاب فى الدنيا والآخرة.

كان الإنسان عندئذ قريبا من الطبيعة يتواصل معها تكاد تحدثه ويتحدث معها، بينهما تفاهم وتواصل. ثم تعقدت أحوال الحياة وانهمك الإنسان بما أطلق عليه التقدم والتصنيع والبناء وسائر جوانب السلوك التى تنتهك الموارد. جعل يستنزفها إلى أن ظهر الواقع الذى يؤكد أن شريان الحياة الذى هو الماء أقل من القدرة على الوفاء بمتطلبات الإنسان الذى زادت مطالبه وتضاعفت أعداده.

تقول الأرقام أنه خلال الـ 70 عاما الماضية زاد عدد سكان العالم ثلاث مرات كما زادت استخدامات المياه ست مرات، بينما كمية المياه كما هى بل انخفضت نوعاً وكماً، هذا يعنى أن نصيب الفرد من المياه انخفض من 12 ألف م3 عام 1960 إلى نحو 7000م3 عام 2000 ومن المتوقع أن ينخفض إلى 4000 م3 عام 2025.

نحو 1.2 مليار نسمة، أو ما يقرب من خُمس سكان العالم، يقطنون مناطق تندر بها المياه، و500 مليون نسمة آخرين مهددون بالندرة، و2.6 مليار آخرين تنقُصهم مرافق الصحّة العامة.

إن هناك 80 دولة يعيش بها نحو 40% من سكان العالم معرضة لفقدان الأمن المائى وكل يوم يموت ما بين 15 ألفا 20 ألف شخص لأسباب تتعلق إما بتلوث المياه أو عدم توفير المياه.

أشار تقرير للأمم المتحدة الى إن خُمس سكان «كوكب» الأرض يفتقدون المياه الصالحة للشرب بسبب سوء إدارة الموارد حيث يعيش فقراء العالم على أقل من جالونين ونصف من المياه فى اليوم وهو ما يعادل واحدا من ثلاثين من الاستهلاك اليومى للدول الغنية.

أصبحت مشكلة المياه تتصدر هموم سكان العالم وأغلبهم يعانون من أزمة توافر المياه العذبة والنقية مما سيجعل الصراع القادم فى العالم حول السيطرة على مصادر المياه.

ولأنها قضية مصيرية أصبح لها علم متخصص وهو علم المياه يتناول توزيعها فوق الأرض وصفاتها وخصائصها الطبيعية والكيميائية وتفاعلها مع البيئة والكائنات الحية. وقد أعلنت الأمم المتحدة عام 2005- 2015 عقد الماء لأجل الحياة. والحديث مستمر.

30 يونيو عيد التحرير: أعود لأكرر اقتراحى وطلبى بأن يكون 30 يونيو «عيد التحرير» أسوة بأيام نحتفل بها، لما لها من معنى خاص. ما حدث فى هذا اليوم علامة فارقة فى تاريخ مصر بدأت مرحلة ارادها الشعب وطالب بها. تحررت فيها مصر من حكم ثيوقراطى يقوم على الاستبعاد والاستبداد إلى دولة دستورية تحافظ على أرضها وكرامة شعبها، كما تحررت دولياً ولم تعد تدور فى فلك أى من القوى الكبرى وبدأت تأخذ مكانها الذى تستحقه كدولة كبرى يحسب لها حساب. إنه تاريخ لابد أن يدرس ويُدرس ويسجل كى تعرفه الأجيال القادمة لتدرك ابعاده والمبادئ الستة التى قام عليها ويستوعبه الشعب. علينا أن نتذكر أسباب وملابسات ذلك اليوم ونحاول أن نتحمل ما نواجه من صعوبات تتعلق بالغلاء أو الحرمان حتى تستمر المسيرة ونحقق ما نصبو اليه من حياة أفضل وأيسر. انها مرحلة صعبة يسقط فيها الشهداء من الجيش والشرطة والمدنيين وجيش مصر هو شعبها بكل فئاته، وشعب مصر هو جيشها الذى يحميها ويرفض محاولات إثارة القلق والفرقة. مرحلة مؤقتة علينا أن نتجاوزها معاً من أجل الأجيال القادمة ومصر التى أعطتنا كل شيء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف