بوابة الشروق
عماد الدين حسين
صعوبة أن تقول لشخص: عملك انتهى!
ما هو أصعب شىء فى الحياة؟!
بالنسبة لى هذه الأيام أن تجلس مع أحد زملائك فى العمل وتقول له إن الظروف تحتم الاستغناء عنه، أو تخفيض راتبه!
وحينما تخبره بذلك، يبدأ فى الشكوى واخبارك أن ظروفه وظروف أسرته صعبة جدا، وأنه يستحق زيادة راتبه وليس تخفيضه.
تجيبه بأنك تتفق معه تماما، وأنه يستحق الزيادة فعلا، لكن «الإيد قصيرة والعين بصيرة»، وأنك لا تشكك فى إمكانياته، لكن هناك واقعا مرا يحتم عليك اتخاذ هذا القرار القاسى والمؤلم.
أن تعاقب موظفا مهملا أو مقصرا أو تنهى عمل موظف بلطجى ومنفلت بالقانون أمر سهل، بل هو مطلوب طوال الوقت، حتى يكون عبرة لغيره من المقصرين أو البلطجية، لكن المشكلة حينما يكون الامر متعلقا بزملاء من العاملين والموظفين المجتهدين والمنتجين، الذين يدفعون ثمن تراكم فشل حكومات متعددة فى الاقتصاد المصرى منذ عقود.
لا أتحدث عن «الشروق» فقط، أو الصحافة ووسائل الإعلام، لكن عن مشكلة أكبر تتكرر فى العديد من مجالات الحياة المصرية هذه الايام.
قبل فترة سألت أحد كبار المستثمرين عن تجربته فى هذا الصدد، فحكى لى أن شركته أو مجموعته تعرضت لظروف صعبة جدا بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، خصوصا بعد موجة المظاهرات والاضطرابات الفئوية.
كان أمامه وقتها خياران أساسيان: الأول أن يفصل أكثر من الف عامل، مقابل استمرار أكثر من اربعين ألفا فى بقية شركاته، أو يستمر الوضع على ما هو عليه من خسائر، ويتم إغلاق كل الشركات فى ظرف أقل من عامين.
الرجل قال لى إنه فكر مليون مرة، وسأل كل أقاربه وأصدقائه والخبراء والمختصين، حتى لا يتخذ القرار الخاطئ، وفى النهاية اختار الحل الأكثر عملية وهو إنهاء خدمة قلة من العاملين فى سبيل استمرار توظيف البقية الكبرى.
العمال والموظفون المعرضون لانهاء الخدمات، كانوا يتجمعون أمام الشركة ويهتفون ضده ليل نهار. كانت تلك أصعب لحظاته، لأنه يتعاطف معهم فعلا، لكنه وبحكم منهجه البرجماتى فكر فى مصلحة الغالبية، واتخذ قراره. وكانت النتيجة أن الشركات وقفت على قدميها مرة أخرى، وبدأت تحقق أرباحا، وتبدأ فى تعيين عمالة جديدة، بعد ان افتتحت مشروعات جديدة.
من خلال ما اسمعه من حكايات الآن، فان العديد من الزملاء فى مهنة الصحافة والإعلام، أو من بعض رجال الأعمال فإن ظاهرة إنهاء خدمات بعض العاملين والموظفين، مرشحة للاتساع. حتى يمكن تصحيح الأوضاع المختلة ومواجهة الازمة الراهنة وكذلك الخسائر الكبيرة الناتجة عن ظروف كثيرة طوال السنوات الماضية.
يقول بعض العاملين والموظفين: «وأنا مالى.. ولماذا أتحمل ذنب سياسات فاشلة لحكومة أو رجال أعمال؟!».
ربما يكون معه الحق فى ذلك، لكن للأسف فإن هناك ثمنا يتم دفعه فى زمن الأزمات الاقتصادية، والمرشح الأول للدفع هم صغار العاملين، وليس كبار الملاك.
الجدل حول من هو الملوم سوف يستمر.. لكن من سوء الحظ لن يفيد كثيرا، خصوصا فى القطاع الخاص، لأن هناك أزمة بالفعل وأسعارا عالمية تزداد كل يوم خصوصا فى أسعار البترول والطاقة. وبالتالى فربما الأفضل، التفكير والاستغراق فى البحث عن وسائل لحل الأزمة، ومحاولة ابتكار أفكار جديدة، فربما يمكن التقليل من تداعياتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف