المصريون
عادل عامر 2
جرائم الشيكات والارباح الصورية
إذا ارتكب الشخص العادي من سواد الناس جريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب فربما التمسنا له شيئاً من الأعذار ــــ مع عدم جوازيتها ـــــ بأنه لا يعلم خطورة تلك الفِعلة النكراء ، أو أن ظروفه المادية خانته فلم يعُد قادراً على توفير الرصيد لدى المسحوب عليه ، وأياً ما كان أمره فتلك مصيبة ، أمّا إذا كان هذا الفعل وتلك المخالفة قد جاءت من رجل الأعمال صاحب النفوذ المالي والمكانة الاجتماعية الراقية وصاحب التأثير في الاقتصاد فالمصيبة أعظم ؛

لقد أصبح مخالفة أحكام الشيك تشكل خطراً محدقاً على حرية الأشخاص وعلى الاقتصاد الوطني حيث إن غالبية المتعاملين أخرجوه عن وظيفته الأساسية المخصص لها وهى أنه أداة وفاء وليست أداة ائتمان. وفى هذا الإطار تدخلت الحكومات بسن أنظمة وقوانين من شأنها تجريم عددً من الأفعال نجملها فيما يلى:-

1- سحب شيك مع عدم كفاية رصيده أو انتفاء الرصيد كليّةً .

2- إصدار شيك ثم إعطاء المسحوب عليه أمراً بعدم الصرف .

3- التحايل على ضمانات الشيك باعتباره أداة وفاء تقوم مقام النقود .

4- إصدار شيك دون تعييين تاريخ ومكان إصداره أو تاريخ غير حقيقي.

5- قبول أو تظهير شيك على سبيل الضمان

أهمية الردع :

المعلوم أن في هذا المجال - مجال الأعمال - يتمتع القائمون على هذا الحقل بالسلطة والنفوذ الذى يؤهل البعض منهم إلى الانحراف ... لذا لزم التدخل بقوة لوضع الحدود والقيود اللازمة لكبح جماح هذا النفوذ والانحراف ، وبات لزاماً التدخل لممارسة سياسة الردع والعقاب ضد الاستعمال السيئ أو المنحرف للأموال والمشروعات والشركات التجارية ، ومن هنا كان لابد من سرعة تحرك السلطات التشريعية والقضائية لمواجهة الانحرافات المالية إيمانا منها بالدور الهام الذى تسهم به الشركات ويلعبه رجل الأعمال في بناء المجتمع ورسم إطار الاقتصاد ، وإيمانا بضرورة توفير المناخ الملائم لتلك المنشآت لأداء دورها الاقتصادي المنشود. لذا كان حرص المسؤولين على اللجوء للردع حال الانحراف بإدارة الشركات مع ضرورة زيادة سلطة المساهمين وأحقيتهم في المشاركة الفعلية في توجيه وإدارة الشركة والاطلاع الدائم على مجريات الأمور داخلها ليكون لهم سلطة الرقابة على كل ما يفعله أو ينوي فعله رجل الأعمال القائم على إدارتها .



حتمية التدخل الرادع والهدف منه :

قد يصدق وصف الوباء على انتشار جرائم رجال الأعمال. والواقع أن وباء تلك الجريمة قد انتشر انتشارا سريعاً في العصر الحديث وتلونت ملامحه أكثر من أي وقت مضى وتضاعف أعداد المجني عليهم حتى أصبحوا يزيدون عن ضحايا أوبئة أخرى ، وهو ما يعرّض المجتمع كله كيانه وسعادته ومصيره للخطر والتدهور بحسبان أن الاستقرار المالي والاطمئنان على المستقبل ، فالحفاظ على الأموال والثروات هو من دعائم السعادة والاطمئنان لدى البشر ، فيجب حماية المساهمين من عسف الانحراف بالسلطة من قبل القائمين على الإدارة من خلال ردع الإساءة في إدارة أموال وائتمان الشركة كما الحد من عدم توازن السلطة داخل الشركات ، أيا ما كان الأمر فإن التدخل الجنائي في محيط الشركات التجارية أصبح ضرورة مُلِحّة ، ولنا أن نقرر بأن هذا التدخل إنما تبرره ثلاثة أمور :

1ــ الحاجة لإعادة التوازن بين السلطات داخل الشركة :

إن تنظيم إدارة الشركات يجب أن يتصف بالطابع الديمقراطية الذى يظهر فيه المساهمين وكأن لهم اليد العليا داخل الشركة. فمن خلال تجمعهم في إطار الجمعية العمومية فإن لهم حق اتخاذ القرارات الهامة في حياة الشركة، ومنها تعيين وعزل القائمين علي الإدارة ورقابة الأداء والتصديق والأذن ببعض التصرفات بحيث لا ينفرد المدير أو رجل الأعمال باتخاذ كافة القرارات أو التصديق بمفردة على كافة التصرفات أو التعاقدات .

2ــ حماية المصلحة العامة ضد احتمالات الانحراف من قبل القائمين على الإدارة :

وهو حماية المصلحة العامة أو بمعنى أخر الادخار العام في الدولة أو المجتمع والادخار العام ينصرف إلى الأشخاص الذين أصبحوا من حملة الأسهم أو السندات وذلك بتوفير عدة عناصر أولها عنصر نفسى جماعي نحو الاستهلاك الحذر أو الإنفاق المحسوب مما يؤدى في النهاية إلى تراكم في رأس المال من قبل الأفراد ،

وثانيها أن يتوافر عنصر إيجابي يتمثل في أن يجد المدخرين بعض المصالح أو الأهداف التى ينون تحقيقها عن طريق الاستثمار بمدخراتهم لدى الغير ،

والعنصر الثالث والأخير هو أن يتوافر عنصر الثقة والأمان خاصة على الجانب القانوني الذي يحمي مصالحهم المالية .

3ــ حماية روح المبادأة اللازمة لنجاح الإدارة داخل الشركة :

حينما يتدخل المشرع الجنائي في مجال الشركات فإن عليه أن يأخذ في اعتباره أمرين هامين أولهما أن يضمن مناخا من الأمن لتشجيع الادخار العام،

وثانيها ألا يعطى انطباعا بأنه استهدف بالنصوص الرادعة إخافة القائمين من رجال الأعمال على الإدارة وحتى لا يشعرون أنهم تحت رقابة دائمة تمنعهم من المخاطرة التجارية المطلوبة من أجل النهوض بالمشروع التجاري .

وأيّاً ما كانت المُعوّقات التي يُقابلها الردع وتُعاني منها الرقابة فلا يجب أن تكون تلك المُعوّقات سبباً أو تكئة لترك تلك القوانين والتشريعات حبراً على ورق ، فمصلحة الوطن فوق الجميع ، والحِفاظ على الاقتصاد يعلو ، واطمئنان المواطن على مستقبله

توزيع الأرباح الصورية :

يتمثل ذلك في قيام الشركة بالإعلان عن تحقق أرباح أو نمو في الأرباح أو الاستقرار على نقطة التساوي بين الارباح والخسائر مما يعطي الانطباع بسير الشركة في طريق النجاح والنمو الذي سينعكس إيجابياً على مساهميها وعلى العاملين فيها بلا شك، ويدل على نجاح قيادتها وحسن التصرف لدى مسؤوليها فيما يعود على الشركة والمساهمين بالنفع وإضافة لبنات أكثر في بناء الاقتصاد الوطني، وحالات النجاح لا حصر لها ولله الحمد. ولكن يحدث أن تعلن الشركة عن أرباح وجودها فقط على الورق وتقوم أيضاً بتوزيعها، وهو ما يسمى قانوناُ بالأرباح الصورية: فالإجراءات تبدو مستوفية للشروط النظامية ولكنها مقتطعة من رأسمال الشركة أو موزعة بغير جبر للخسائر السابقة، في حين أن الأرباح الحقيقية: مستوفية لإجراءات الإصدار النظامي ولكنها غير مقتطعة من رأس المال وتم توزيعها بعد جبر الخسائر. والأرباح عموماً صورية أم حقيقية هي توزيعات نقدية أو عينيه يوصي بها مجلس إدارة الشركة وتقررها جميعه المساهمين العادية، وتشكل نسبة من القيمة الاسمية لرأس المال. وتحسب الأرباح على أساس نسبة مئوية معينة من القيمة الاسمية للسهم، وليست من أية قيمة أخرى(سواء قيمة حقيقية أو قيمة إصدار أو قيمة تجارية).

و يحدث من جراء ما تقدم أن يتلاعب رجل الأعمال الذي يدير هذه الشركة بمقدراتها ورؤوس أموالها وأن يخالف أهداف الشركة ناحياً جهة أهدافه الخاصة و مصالحه الذاتية ، أو رغبة منه في زيادة دخل الشركة و أرباحها بطريقة غير شرعية أو غير نظامية

والجدير بالذكر أن من الأمور التي تُصَعِّب الرقابة والتصدي للانحرافات المالية لرجال الأعمال ما يقومون به من التعقيدات المالية والأسلوب المالي الملتوي الذى يتبعه المشروع التجاري أو الشركة عند مباشرة نشاطه، ومن قبيل ذلك قيام الشركة بشراء أسهم أو حصص شركة أخرى ثم بيعها إلى شركة ثالثه والقيام بعمليات الاندماج والتخارج أو إنشاء شركات وليدة يكون هدفها امتصاص الأرباح التي تحققها الشركة الأم .

ومن قبيل ذلك أيضا القيام بالعمليات المالية خارج إقليم الدولة وفى مناطق تمنح مزايا كبيرة لتأسيس الشركات ومزاولة أنشطتها مع رقابة ضعيفة واهية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف