الأهرام
يوسف القعيد
ترامب بلا قناع
لا بد من كلمة عن أسواق بيع الكتب فى مصر. بعد تعويم الجنيه. التى ترد إلينا من الخارج. حالة من الفوضى فى الأسعار. فكل من يبيع كتاباً يلصق عليه السعر الذى يمكن أن يحقق له الأرباح التى يحلم بها. ولكى أدلل كمثال على دراما الأسعار. فالكتاب ملصق عليه ما يثبت أن ثمنه 550 جنيها مصريا. وإن كان من حقك الفصال فأنت وشطارتك. ربما ينزل السعر إلى النصف. نسخة الكتاب ليست أصلية. مزورة، وتزوير الكتب حكاية تستحق كتابة أخري. لأن الظاهرة تضخمت لدرجة تشعرنى بالخطر.
الكتاب عنوانه: ترامب بلا قناع، رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ. من تأليف: مايكل كرانش، مراسل سياسى استقصائى لصحيفة واشنطن بوست، ومارك فيشر محرر رئيسى فى صحيفة واشنطن بوست. تمت كتابته وصدر فى الفترة التى جرى فيها انتخاب ترامب رئيساً لأمريكا. وصدرت طبعته العربية الأولى 2017، عن دار الساقى فى لبنان. كتاب ضخم، يتعدى الخمسمائة صفحة من القطع الكبير. مترجمته إلى اللغة العربية، ابتسام بن خضراء. وعلى طريقة الكتب الجديدة التى يكتبون على غلافها الخارجى عبارات تدفع القارئ لشرائها، نقرأ: أكمل وأدق سيرة لترامب كتبت حتى اليوم.
من الغلاف الخارجى وفى لحظة القراءة الأولى تبدأ فى طرح الأسئلة على نفسك قبل أن يطرحها عليك الكتاب: ما هو تأثير حياة ترامب فى تصريحاته الجريئة حول الاقتصاد والهجرة ومسائل العِرْق والتجارة العالمية والإرهاب والنساء؟. لكل إنسان بداياته. والبداية تطارد صاحبها حتى النهاية. تصبح مثل قدره. لا يستطيع الفكاك منه. أو الابتعاد عنه. وكلما قام بمحاولة ـ حتى لو كانت مستحيلة ـ للفكاك من قدره والهروب من مصيره. فإنه وعلى طريقة أبطال التراجيديات القديمة يكتشف أنه يقترب من مصيره.
نبدأ من نشأة ترامب المترفة فى منطقة كوينز. ولا ننتهى عند صعوده المثير للدهشة ليصبح رئيساً للولايات المتحدة. إنه يقدم لنا إنساناً من دم ولحم. لأن المؤلفين أجريا مقابلات مع ترامب فى أثناء إعدادهما للكتاب. وسمع منه كل ما يتعلق به. ابتداءً بارتباطه خلال شبابه بمحام غامض. وصولاً لما أشيع عن تعاملاته مع عالم الجريمة المنظمة ومشاريعه المثيرة للجدل. ومن عادات بلادهم أن صحيفة واشنطن بوست تتحرى كل أربع سنوات عن حياة المرشحين الرئاسيين وسيرهم المهنية. بهدف معرفة كل ما تمكن معرفته عن أسلوب تفكير المرشحين وكيفية اتخاذهم القرارات وتصرفاتهم. إضافة إلى تفحص ماضى هؤلاء. بهدف توقع الكيفية التى سيتصرفون بها مستقبلاً.
فى مارس 2016 عندما كان التنافس على الترشيح فى الحزبين الكبيرين لم يحسم بعد. أدرك محررو الواشنطن بوست أن الوقت حان لبدء الأبحاث الموسعة وإعداد التقارير اللازمة. وإجراء دراسات شاملة حول سيرة كل من المرشحين للانتخابات. شكَّل محررو بوست فريقى عمل كبيرين من المراسلين لإجراء دراسة جديدة حول عمل كل من المرشحين المحتملين: دونالد ترامب، وهيلارى كلينتون. مثَّل ترامب تحدياً فريداً للفريق الذى كُلِّف بإعادة إنتاج كل لحظة مرت من حياته. كان أول مرشح رئاسى لحزب أساسى خلال أكثر من 50 عاماً. منذ داوت أيزنهاور، يصل إلى المكانة دون أن يكون قد تبوأ منصباً واحداً عن طريق الانتخابات.
أوكلت الصحيفة العمل لأكثر من ثلاثين مراسلاً. بينما كلفت محررين بالتحقق من الوقائع. وكلفت ثلاثة تفحص حياة ترامب. كان على هؤلاء خلال مدة لا تتجاوز 3 أشهر أن ينجزوا الكتاب. وأكثر من 30 مقالاً للصحيفة. وذلك بهدف وضع سردية زمنية بكل ما يتصل بخلفية عائلة ترامب وطفولته ومسار حياته المهنية وتطوره السياسي. إضافة إلى فهم كل تلك المعلومات.
اكتشف الفريق الضخم أن ترامب عاش حتى لحظة دخوله البيت الأبيض وفق عقيدة مفادها أن كل الاهتمام الموجه إليه سواء كان اهتماماً متملقاً أم ناقداً أو وسطاً بين الاثنين إنما يصب فى مصلحته. وأن صورته الشخصية هى التى تحدد علامته المميزة. وأنه هو نفسه تلك العلامة المميزة.
وتوالت الاكتشافات. أن ترامب شأنه شأن أى شخص آخر. شخصية تنطوى على ما هو أعمق من سمعته أو علامته المميزة. إن الرجل الذى انتخب ليكون الرئيس الرابع والخمسين للولايات المتحدة الأمريكية أكثر تعقيداً مما توحى به قيمه البسيطة. وأن دوافعه وقيمه مستمدة من والديه ومن نشأته وانتصاراته وهزائمه. وسعيه طوال حياته إلى الحصول على الحب والقبول. كانت الخطوة التالية لاتخاذه قرار الترشح أن يتحول لشخصية رئاسية. قال له ابنه وابنته وزوجته إن عليه فعل تلك الخطوة. عليه إبراز الجانب الأكثر عمقاً فى شخصيته. أجابهم: بإمكانى أن أكون شخصية رئاسية بجدارة. ثم ضحك وأردف: بإمكانى أن أكون شخصية رئاسية أكثر من أى رئيس حكم هذه البلاد عدا إبراهام لنكولن. اعتمد على مستشارين كثر. حاولوا فهم كل ما يجرى فى بلادهم. لكن ترامب قرر أنه سيظل المستشار الأوحد لنفسه. لأنه يفهم نفسه أكثر مما يفهمها الآخرون مهما حاول الآخرون الاقتراب منه والإيحاء له بأنهم يفهمونه أكثر مما يفهم هو نفسه. كان يدرك من البداية أن هذا الكلام غير صحيح. وأن الإنسان هو سيد نفسه فى مسألة فهمها واستيعابها وتوقع ردود أفعالها على أى موقف من المواقف. كان يعرف كيف يصير مشهوراً؟ ويعرف كيف يكسب. وكيف يجتذب أعداداً كبيرة من المشاهدين؟ وكيف يلفت الأنظار؟ درس طوال حياته كيف يستثير الشائعات حوله. ونظم مجالات الاهتمام داخل تفكيره فى تراتبية هرمية. قال مبكراً إن التفاخر يقع فى مستوى أعلى بدرجة من مستوى التباهي. وأن العلاقات العامة الناجحة أفضل من العلاقات العامة السيئة. كان ترامب مزيجاً فريداً مثيراً للفضول من رجل الاستعراض الذكى ورجل المشاعر النزق والصاخب. مع ذلك نجد أن اللغة التى يستخدمها فى حديثة تسبب صدمة للناس. فهو لا يتوانى عن شن هجمات عنيفة على من يراهم أعداءه ـ خصوصاً النساء ـ بألفاظ لاذعة فظة مهينة. أحياناً تبدو لغته سلسلة من الشعارات والتصريحات البسيطة التى تنطوى على أفكار ساذجة. وقد دفع ذلك بعضهم إلى استنتاج مبكر أنه شخص طائش.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف