المصريون
أسامة شحادة
القرآن وثلاثية: نزوله بالعربية لتيسير فهمه ولتعمّ هدايته وإرشاده
تعددت الآيات القرآنية التي بيّنت نزول القرآن الكريم باللغة العربية والعربية الفصيحة المبينة حتى بلغت 15 آية، منها قوله تعالى: "إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون" (يوسف: 2)، "وكذلك أنزلناه حكماً عربياً" (الرعد: 37)، "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلّمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" (النحل:103)، "قرآنا عربياً غير غير ذي عوج لعلهم يتقون" (الزمر: 28)، ونلاحظ هنا تعدد طرق التأكيد على عربية القرآن الكريم وأنها عربية مبينة ليتحقق منها التدبر والتعقل والتقوى والاتباع.
ومن أسباب كون القرآن عربياً أنه لسان قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم" (إبراهيم: 4)، "فإنما يسّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون" (الدخان: 58)، ولكون القرآن هو الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء وليوم القيامة فإن اللغة العربية هي الأنسب لتحمل الوحي الخاتم لعدة ميزات فيها، هي:
كثرة جذور الكلمات فيها، والتي تبلغ 16 ألف جذر، بينما العبرية فيها 2500 جذر، واللاتينية 700 جذر فقط!
كثرة وغنى المفردات في العربية بسبب المترادفات التي تغني المتحدث وتملكه حرية الاختيار في الكلام.
اتساع دائرة الاشتقاق للكلمات العربية والذي تفتقر له اللغات الأخرى.
إمكانية التعبير عن المعاني الكبيرة بأقل عدد من الكلمات بخلاف اللغات الأخرى.
وفي اللغة العربية كلمات لا يمكن ترجمتها، أهمها لفظ الجلالة: الله.
ونخلص من هذا كله إلى أن عربية القرآن الكريم سبب مهم لتيسير فهم القرآن الكريم للعرب والبشرية جمعاء لغناها وسعتها وسهولة ترجمة معاني القرآن لبقية اللغات وهو ما حدث فعلياً وكان له أثر كبير على الناس في العالم.
يقول الإمام ابن القيم في بيان معنى قوله تعالى: "ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر" وهي آية تكررت في سورة القمر 4 مرات: "وتيسيره للذكر يتضمن أنواعًا من التيسير: إحداها تيسير ألفاظه للحفظ، الثاني تيسير معانيه للفهم، الثالث تيسير أوامره ونواهيه للإمتثال".
وقال ابن عباس، رضي الله عنه، عن يسر معانى القرآن الكريم وأنه يكون على مستويات: "التفسير على أربعة أوجه؛ وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله".
ومما يؤكد على يسر القرآن الكريم للفهم ما وصف به القرآن وآياته وأحكامه في القرآن الكريم نفسه منها: كونه نزل بالحق "نزّل عليك الكتاب بالحق مصدّقا لما بين يديه" (آل عمران: 3)، القرآن تبيانا لكل شيء "ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء" (النحل: 89)، بيان الأحكام "تلك حدود الله فلا تقربوها" (البقرة: 187).
ولذلك فإن آيات القرآن الكريم لها مفهوم واضح بيّن وظاهر وقطعي وملزم اتّباعه للمؤمنين، أما دعوى المنحرفين والضالين في القديم والحديث أن آيات القرآن ليس لها معنى محدد بل هي تقبل كل تأويل فهذا كلام باطل يفرّغ القرآن من ربانيته ويهدم قدسية القرآن الكريم وإلزامية اتباعه على المؤمنين ويجعل الوحي الرباني كلاما لا محتوى له وهو ما يتنزه عنه الناس فضلا عن رب الناس سبحانه وتعالى.
ومن أمثلة هذا التحريف تجاه القرآن الكريم قول محمد أركون: "القرآن نص مفتوح على جميع المعاني، ولا يمكن لأي تفسير أو تأويل أن يغلقه أو يستنفده بشكل نهائي أو أرثوذوكسي"، ولو كان كلام أركون صواباً فما فائدة نزول القرآن الكريم إذا لم يكن له معنى؟ وليس له أمر ونهي ثابت؟
وهذا المنهج بنفي المعنى عن القرآن الكريم لو طبق على كلام الناس والقوانين والتاريخ والعلوم هل ستكون النتائج سليمة أم ستكون كارثية؟ ولو طبقنا هذا على كلام أركون نفسه بنفي المعنى المحدد له هل سيكون لكُتبه مع غياب معنى محدد لها أثر أو دور؟
إن لغة القرآن العربية المبينة ويسر فهم القرآن هو سبب عموم هداية القرآن وإرشاده للعالمين من خلال سهولة تواصل الناس معه، وحتى الجن لما سمعته "إنا سمعنا قرآنا عجبًا * يهدي إلى الرشد" (الجن: 1-2).
فأوامر القرآن الكريم ونواهيه ومفاهيمه وأصوله سهلة ميسرة واضحة مبينة تقوم على توحيد الله عز وجل وعبادته وحده ونبذ الشرك والكفر والعصيان والتحلي بمكارم الأخلاق والحرص على العدل والحق ونبذ الفواحش والمنكرات والظلم، وهذه المفاهيم والأوامر تلامس الفطرة السليمة لجميع الناس.
كما أن آيات القرآن الكريم تشرح –بيسر- تفاصيل الأحكام التي يحتاجها الناس في معاشهم من بيان الأطعمة والأشربة الحلال تناولها والمحرمة وبيان أحكام البيع والشراء والزواج والطلاق والأيمان والنذور، وهكذا ليكون ذلك ثقافة مجتمعية عامة لا تختص بطبقة أو صنف خاص من الناس، مما يدل الناس على ما ينفعهم ويسعدهم ويشيع العدل والحق بينهم.
إن يسر فهم القرآن الكريم يلمسه كل إنسان فغالب الآيات صريحة واضحة لا تحتاج إلى متخصص لفهمها ومعرفة معناها، ولكن بسبب ضعف مستوى اللغة العربية عند بعض الناس اليوم واعتمادهم العامية فإنهم قد يعانون، ومن هنا فإن الاهتمام برفع مستوى أبنائنا في اللغة العربية هو مفتاح ارتباطهم بالقرآن الكريم والوحي الرباني مما يسعدهم ويهديهم ويرشدهم.
ولما كان المسلم والمسلمة مأمورين بتلاوة القرآن وحفظه وتدبره وسماعه فإن هذا يجعل من هداية القرآن وإرشاده تعمهما وتتغلغل في مشاعرهما وسلوكهما وعقولهما ليتشبها بحبيبهما محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: "كان قرآناً يمشي على الأرض".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف