الوطن
رامى جلال عامر
«دويتو» الحياة والموت

إذا اشترك شخصان فى عمل ما فهما يكونان «دويتو»، أو ثنائياً.. وهذه الثنائيات أكثر من أن تحصى على مر التاريخ.. فى الفن هناك ثنائيات فنية واجتماعية مثل «ليلى مراد» و«أنور وجدى»، وكذلك «هدى سلطان» و«فريد شوقى».. و«شادية» و«صلاح ذوالفقار».. و«محمد فوزى» و«مديحة يسرى».. و«فؤاد المهندس» و«شويكار».. و«نور الشريف» و«بوسى».. والمساحة أقل من استيعاب الجميع.. وفى كرة القدم نجد «محمود الخطيب» و«مصطفى عبده» بالنادى الأهلى، و«فاروق جعفر» و«حسن شحاتة» فى نادى الزمالك، و«حسن الشاذلى»، و«مصطفى رياض» فى نادى الترسانة.. وعلى المستوى العالمى كان هناك «بيليه» و«جارينشيا» فى منتخب البرازيل، و«بوشكاش» و«دى ستيفانو» فى فريق ريال مدريد.. والقائمة تطول.. وفى كل المجالات سنجد تلك الثنائيات؛ فى الغناء لدينا «بيرم التونسى» و«زكريا أحمد»، وفى الصحافة عندنا «أحمد رجب» و«مصطفى حسين» وغيرهم الكثير.

وارتباط مصير الكثير من هؤلاء الأحباء لا يحتاج إلى جهد كبير لرصده، ولكن ماذا عن الأعداء؟ هذا ربما يحدث أيضاً.. «مناقضات جرير والفرزدق» هى الأشهر فى تاريخ الشعر العربى، وقد بلغ هجاء جرير من القوة بحيث أجبر كل بنى نمير (قبيلة الفرزدق) على التنصل من نسبهم، فكانوا كلما سُئلوا قالوا: نحن من بنى عامر (الجد الأكبر)، وذلك بسبب أن جريراً كان فى صراع مع الفرزدق كما هو معلوم فأتى «الراعى النميرى» الشاعر، وهو من أصدقاء الفرزدق، وهجا جريراً، فاستوقفه الأخير وقال له ما معناه «خليك فى حالك»، فجاء ابن الإعرابى وشتم جريراً، فقرر الأخير أن يُشهر بالجميع عبر التاريخ، فقضى ليلته ينظم قصيدة (من 97 بيتاً) دوت كالقنبلة الزمنية فى سماء الشعر العربى، وجاء فيها البيت الشهير: «فغض الطرف إنك من نُمير، فلا كعباً بلغت ولا كلاباً».. ورغم كل ذلك، حينما سمع جرير خبر موت الفرزدق، شعر أن نهايته قد اقتربت، لاقترانهما ببعضهما، وكتب فى رثاء الفرزدق واحدة من أرق قصائد الرثاء العربى وقال فيها: «لقد غادروا فى اللحد من كان ينتمى.. إلى كل نجم فى السماء محلقِ».. وبالفعل مات جرير بعد الفرزدق بأربعين يوماً!

وهذا يذكرنا بأمير الشعراء «أحمد شوقى» الذى عاش حياته فى شد وجذب مع شاعر النيل «حافظ إبراهيم»، حتى إن شوقى نظم بيتاً قال فيه: «أودعت إنساناً وكلبه وديعة، فضيعها الإنسان والكلب حافظ»، فرد عليه حافظ قائلاً: «يقول الناس إن الشوق نار ولوعة، فما بال شوقى اليوم أصبح بارداً».. وعندما مات الأخير، عام 1932، رثاه شوقى بقصيدة مطلعها: «قد كنت أوثر أن تقول رثائى، يا مُنصف الموتى من الأحياء»، وكان أصغر منه بأربع سنوات ومات بعده بأربعة أشهر.

تكرر هذا بعد نصف قرن بالتمام والكمال، فعميد المسرح العربى «يوسف وهبى»، ورائد المسرح العربى «زكى طليمات»، عرف كل منهما الآخر بلقب «الصديق اللدود»، وكانت بينهما خلافات كثيرة طوال حياتيهما، وعندما رحل الأول عام 1982، لحقه الثانى بعد شهرين، والملاحظ أن «يوسف وهبى» كان أصغر من «زكى طليمات» بأربع سنوات أيضاً.. سبحان من له الدوام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف