الوطن
حازم منير
من دروس يونيو
ظلّت متانة الصداقة بين «ناصر» وعبدالحكيم عامر أساساً لتوازنات الحكم فى مصر سنوات طويلة، حتى اختلّت عقب انسحاب الجيش من سيناء عام 67، ودخول مصر فى أجواء نكسة يونيو، فاختلّ توازن الحكم بقوة.

نكسة يونيو التى يمر عليها هذه الأيام 51 عاماً متعددة الأوجه ومتنوعة الدروس والعظات والعِبر، ومنها ما حصل داخلياً، وتفاعل مع المؤامرة الخارجية، فتسبب فى هذا الخلل الرهيب الذى أصاب الدولة.

لقد انطلقت الجمهورية الأولى من قاعدة شعبية واسعة، بقيادة جماعية لمجلس قيادة ثورة تكوّن من ضباط شبان تبنّوا مطالب الشعب ضد الحكم الملكى، وانتهى الأمر فى يونيو بعد 15 عاماً على الثورة لقيادة ثنائية تحدد التوجهات وتصدر القرارات لجهات التنفيذ.

اعتمدت التجربة الوطنية المصرية على الانتقاء من أهل الثقة والمقربين من دوائر الحكم، ومن قيادات ورموز التشكيلات السياسية واستبعاد أهل العلم والمعرفة، فتحولت هذه الاختيارات إلى مراكز قُوى تسيطر وتتحكم فى غياب أى رقيب عليها، وشهدت البلاد انحرافات وأخطاء عديدة ومتنوعة ضربت فى جذور الدولة، وأسهمت بشدة فى الهزيمة، كما وصفها جمال عبدالناصر فى بيان 30 مارس.

ليست تجربة بعيدة تلك التى شاهدناها فى مصر عن نظيرتها التى عاشها الشعب الروسى فى ظل الحكم الشيوعى، والذى بدأ فى الحالتين بحكم الحزب فى الاتحاد السوفيتى والتنظيم السياسى فى مصر، وانتهى الأمر بحكم السكرتير العام فى روسيا، والزعيم فى مصر، وغابت القيادة الجمعية والمسئولية المشتركة والمشاركة الشعبية.

كان لدينا تنظيم سياسى، وشهدت اجتماعاته مناقشات قوية وجادة، لكنها أبداً ما كانت لتطال الخطوط الحمراء التى كانت منخفضة الأسقف أو تستطيع إدخال أى تعديل فى دوائر القرار أو تغير ما يتقرر بالأعلى.

وإذا كان موقف الدولة آنذاك من جماعة الإخوان طبيعياً باعتقال قادتها جراء مخططات الاغتيال، وقلب نظام الحكم التى حاولوا تنفيذها، لكن لم يفسر أحد لماذا تم اعتقال وتعذيب الشيوعيين رغم أنهم كانوا من أنصار الدولة. التفسير فى الأغلب هو الرغبة فى الانفراد بالحكم.

رغم كل المظاهر من وجود سُلطة تشريعية وتنفيذية وحكومة ومحافظين وتنظيم سياسى، فإن الحكم كان فردياً بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، لذلك كان انهيار التجربة ببساطة فى أول احتكاك حقيقى عام 1971 تعبيراً عن هشاشة الأوضاع، وبعدها بثلاث سنوات انقلبت البلاد من النموذج الاشتراكى إلى الاقتصاد الحر وسط صمت رهيب.

الحكم الفردى كان سبباً فى نكسة يونيو التى أطاحت بأحلامنا فى التنمية والانطلاق، وما زلنا نعانى آثارها حتى الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف