الأهرام
هشام النجار
الإرهاب وَلَع إندونيسى مصرى
فى عام 1993 أسست الكوادر «الجهادية» العالمية فى جنوب شرق آسيا منظمة تسمى «الجماعة الإسلامية» وتعرف فى إندونيسيا باسم جماعة «نوسانتارا الإسلامية»، وهى من قامت بالعديد من الهجمات الإرهابية تحت إشراف مباشر لتنظيم القاعدة، قبل هذا التاريخ ظلت الحركة داخل إندونيسيا؛ فبعد استقلالها عام 1945 فكرَ بعض الإسلاميين فى إنشاء ما زعموا بـ «الجمهورية الإسلامية» التى تحكم بالشريعة حسب مفهومها ولا تدين بالولاء والطاعة للسلطة القائمة.

وبالفعل تم إعلان الجمهورية المزعومة داخل الدولة القائمة بقيادة عبدالله سونكا وكان نائبه هو أبو بكر باعشير، وبايعهما الكثيرون، وتأثر جهاديو إندونيسيا بمنهج وأدبيات الجماعة الإسلامية المصرية، لتصبح لاحقًا نسختا الجماعة فى البلدين أمل تنظيم القاعدة فى إيجاد نموذج عالمى مسيطر على آسيا وإفريقيا.

أخبرنى يومًا الرجل الثانى بالجماعة الإسلامية الإندونيسية بعد باعشير ـ والذى كان موضع ثقة الأخير ومبعوثه إلى أوروبا لسنوات عديدة قبل أن ينفصل كلية عن هذا التيار بعد مراجعات فردية، عقب محاضرة ألقيتها بديبوك ـ أن باعشير تأثر بالشيخ المصرى عمر عبد الرحمن الزعيم الروحى للجماعة الإسلامية المصرية الذى توفى بسجنه فى أمريكا، وبسبب هذا التأثير أسس الجماعة الاسلامية بإندونيسيا بدلاً من الجمهورية الإسلامية.

ولجأ باعشير الذى لم يكن حافظًا القرآن وحصيلته الشرعية ضعيفة إلى تصدير سونكا ليكون بمنزلة «عمر عبد الرحمن» بالنسبة لمؤسسى الجماعة المصرية الذين بحثوا عن واجهة دينية تقنع الشباب بأفكارهم وتكون مرجعية الجماعة الفقهية.

كان سونكا يمتلك ويدير معهدًا تعليميًا خاصًا ملحقًا به مسجد يخطب به، وفى إحدى خطبه رفض المبادئ الخمسة الأساسية فى الدستور الإندونيسى التى تمثل منهج وفلسفة الدولة بعد الاستقلال، فتم سجنه عام 1982 فى عهد الرئيس سوهارتو.

إنهما ضالتا الجماعة الفقهية، فلكى يقبل الناس على الجماعة ويعطوا البيعة لزعيمها، لابد من توافر مرجعية دينية تكفر النظام والحاكم وتحرض على قتله وتبشر بالدولة الإسلامية البديلة. سار باعشير على نموذج جماعته المصرية المفضلة مقلدًا إياها حتى فى طبيعة الأهداف التى هاجمها؛ فقد سعى لضرب السياحة بتفجيرات جزيرة بالي، كما دبر للهجوم على عدة كنائس ورجال الدين المسيحى عشية عيد الميلاد عام 2000، والتى أسفرت عن مقتل19 شخصًا, كما خطط لاغتيال ميجاواتى سوكارنو رئيسة إندونيسيا السابقة عندما كانت تشغل منصب نائبة الرئيس عام2000، وهى الأهداف الثلاثة الرئيسية للنسخة المصرية؛ السياحة والأقباط واغتيال رموز الدولة.

لم تغب مظلة القاعدة عن أفرع الجماعة الاسلامية ولم تتوقف محاولات أيمن الظواهرى للسيطرة على الجماعتين الجهاديتين المصرية والإندونيسية ورهنهما لتوجهات وأهداف القاعدة، وهو ما سعى لتحقيقه عبر إغراءات التمويل والتمدد فى اتجاه العالمية. والحال أن القاعدة التى سعت لعولمة الجهاد حرصت على تجنيد أفرع الجماعة الاسلامية خاصة فى معقليها الرئيسيين فى آسيا وإفريقيا باندونيسيا ومصر، مع الترويج فى الأوساط الجهادية المحلية بأن الجهاديين لم يحققوا إنجازًا ولا شهرة ولا مالًا إلا بعد النزوح نحو العالمية والخروج من الحالة المحلية.

تفجير مركز التجارة العالمى فى نيويورك فى عام 1993 والذى أدين فيه أمير الجماعة الاسلامية المصرية كان منفذه الفعلى هو رمزى أحمد يوسف ابن شقيق القيادى بالقاعدة خالد شيخ محمد وكان واقعًا كليًا تحت سيطرة أيمن الظواهرى ومنه أخذ مباشرة الأوامر.

وهيمنت القاعدة على المشهد الإندونيسى عبر نشاطات حنبلى الذى كان على صلة وثيقة بقيادات القاعدة خاصة خالد شيخ محمد- وذو القرنين وعمر الفاروق وغيرهم، وتنسب إليهم غالبية هجمات ما بعد عام 2003، والتى خدمت أهداف القاعدة.

الآن بدأ مطورو القاعدة باتجاه داعش فى إندونيسيا تقليد النسخة المطورة المصرية باستهداف المسيحيين وضرب الكنائس، فى سياق حالة شبه تلازم تشى بأن العقل المدبر والمخطط والممول واحد.

تناهض إندونيسيا أيضًا هذا التوحش الظلامى الأعمى بولع مصرى مضاد للتطرف والعفن الفكري؛ فالمجتمع الاندونيسى قائم كذلك على التعددية والتنوع وتعايش العقائد المختلفة، والكنيسة تقابل الجامع. وهناك مكانة الأزهر عالية وعلماء إندونيسيا طبعة أزهرية آسيوية من الوطنية والنضال، فهم من تصدروا مشهد محاربة الاستعمار قديمًا منذ أصدر الشيخ هاشم أشعرى فى 24 أكتوبر عام 1945 فتوى إعلان الجهاد لمقاومة قوات الاحتلال، والآن يواصلون كالمصريين مواجهة أذنابه وعملائه ووكلائه ممن يزعمون زيفًا أنهم يسعون لنصرة الإسلام والشريعة. وهناك تصميم وإرادة مصرية إندونيسية لهزيمة كل ما يقذف به أصحاب المطامع الخارجية بغرض إعاقة مشروع الحداثة والمدنية والتقدم، لتظل الشعوب مستقلة الإرادة تنعم بثروات بلادها.

وحتى تخمد روح هذه الحركة الخبيثة التى ظهرت منذ عهد الخليفة على بن أبى طالب رضى الله عنه واستمرت حتى انهيار السلطنة العثمانية، وتحاول معاودة الانتشار من جديد، لكنها تواجه بإرادة جامعة من جاكرتا إلى القاهرة حريصة على الكرامة والحرية ووحدة الأوطان واستقلالها.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف