مجلة المصور
سناء السعيد
ليرحل غير مأسوف عليه..
رحل الملعون “برنارد هنرى لويس” مهندس تقسيم الشرق الأوسط. ولكن وللأسف فإن أفكاره ونظرياته التى صدعت الشرق الأوسط لن تموت. إنه الكاتب والباحث والأكاديمى والمفكر السياسى اليهودى البريطانى الأمريكى الذى وافته المنية فى التاسع عشر من مايو الجارى قبل اثنى عشر يوما من عيد ميلاده عن عمر تجاوز المائة عام بعامين، فهو من مواليد لندن ٣١ مايو ١٩١٦. تخصص فى تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب.
يعد أكثر مؤرخى الإسلام والشرق الأوسط تأثيرا بعد الحرب العالمية الثانية، حظيت آراؤه بإعجاب فئة من السياسيين الأمريكيين المعروفين باسم المحافظين الجدد. اكتسب مكانة مرموقة بين الساسة خاصة فى الغرب وأمريكا تحديدا وفى إسرائيل، ومرورا باهتمام المخابرات الأمريكية. وحظى بتقدير ساسة أمريكا عندما انتقل إليها للتدريس فى جامعة بريستون عام ٧٤ حيث احتل مقعدا بمعهد دراسات الشرق الأدنى ليبدأ رحلته فى التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية وعلى صناع القرار فى واشنطن، وكان أكثر المثقفين تأثيرا فيما يتعلق بإدارة النزاع بين الإسلام الراديكالى والغرب إلى حد دفع بهنرى كيسنجر إلى الرجوع إليه.


برنارد لويس، سطع نجمه بوصفه مهندس تقسيم الشرق الأوسط حيث وضع اللبنة الأولى لمخططات اجتياح المنطقة العربية ونهب ثرواتها وتقسيم دولها إلى دويلات ترتكز على الطائفية الاثنية. ومن ثم شكلت أعماله وجهة النظر الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط وصراع الحضارات. كان ولوعا بإسرائيل بحكم تنشئته اليهودية، وكان داعما للغرب فى تدخلاته فى المنطقة وفرض سطوته على الشعوب العربية والإسلامية. ولهذا كانت آراؤه هى المرتكز التى ارتكن إليها تيار المحافظين الجدد فى أمريكا وتحديدا مجموعة الصقور وعلى رأسهم جورج بوش، وديك تشينى، وكونداليزا رايس صاحبة نظرية الفوضى الخلاقة التى هى فى الأصل نتاج فكر برنارد لويس، حيث وصل تأثيره إلى قمة صناعة القرار السياسى فى أمريكا، فرأينا جورج بوش فى أعقاب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وهو يحمل معه مقالات برنارد لويس التى أمدته كونداليزا رايس بها.


يعد برنارد لويس أعدى أعداء العرب والإسلام. استطاع أن يضرب العرب والمسلمين فى المناطق الرخوة من خلال العمل على وضع مشروع تقسيمى لتفتيت الأمة العربية والعالم الإسلامى وارتكز فى ذلك على الاختلافات الطائفية والصراعات الاثنية، فكان أن عمد إلى تأجيج هذا الصراع ليصبح الشغل الشاغل له. فى عام ٢٠٠٥ قال إن العرب والمسلمبن قوم فاسدون ومفسدون وفوضويون ولا يمكن تحضرهم. وإذا تركوا لأنفسهم فسيفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات. ولهذا فإن الحل للتعامل معهم يرتكز على إعادة احتلالهم وتدمير ثقافتهم الدينية.


نصح أمريكا بأن تستفيد من تجربة بريطانيا وفرنسا الاستعمارية تجنبا للأخطار التى اقترفتها الدولتان فى استعمارهما للمنطقة.طالب بضرورة إعادة تقسيم الدول العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية ليكون شعار أمريكا:( إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم يدمروا حضارتنا)، وطالب بتضييق الخناق على الدول العربية والإسلامية ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها. ليصب هذا فى صالح إسرائيل باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التى ستحكم المنطقة سعيا لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولا غرابة فلقد كان برنارد لويس وراء أهم وأشهر مخطط هادف إلى تقسيم العالم العربى وفق إعادة ترتيبه من جديد فى إطار ما يعرف بنظرية الفوضى الخلاقة والتى جاءت تنفيذا لوثيقته التى أقرها الكونجرس الأمريكى عام ٨٣ .


إنه اليهودى كاره الإسلام، صاحب أخطر مخطط طرح فى القرن العشرين لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دولة اثنية ومذهبية، وهو المنظر لسياسة التدخل الأمريكى فى المنطقة أثناء إدارة بوش وحربه المزعومة ضد الإرهاب. ويعد جزءا من خريطة الشرق الأوسط الجديد التى طالبت بها كونداليزا رايس خلال عدوان إسرائيل على لبنان فى يوليو ٢٠٠٦ ، وتجسدت نظريته كذلك فى تعامل أمريكا مع ما أطلق عليه ثورات الربيع العربى والتى ترتكز على إشعال النعرات الاثنية والعرقية والدينية بحيث يتم تقسيم كل دولة إلى أربع دويلات. ومن ثم رأيناه يسدى النصح لأمريكا باستثمار التناقضات العرقية الطائفية لصالح مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة وهو ما اعتمد عليه بوش فى غزوه للعراق عام ٢٠٠٣ ليتم ترسيخ الطائفية فى أرض الرافدين. ارتكزت نظرية برنارد هنرى لويس على نظرته الدونية للعرب والمسلمين حيث رآهم قوما فاسدين منقسمين فوضويين لا يمكن تحضرهم، فهم أداة لتدمير الحضارات وتقويض المجتمعات. ولهذا فإن الحل للتعامل معهم يكمن فى إعادة احتلالهم.


سعت أمريكا والغرب لتطبيق نظرية برنارد لإعادة تقسيم الأقطار، وجرى الاعتماد على تنظيم داعش الإرهابى لتنفيذها ليخرج الأمر عن السيطرة بعد التمدد السريع للتنظيم فى العراق وسوريا وترسيخه لأصعب الحروب وهى الحروب الأهلية ليجرى الحديث بوضوح عن إعادة تقسيم المنطقة عبر خريطة دولة الخلافة التى طرحها داعش والتى ترتكز على نفس الأسس والمعايير الدينية الطائفية، وبالتالى نجحت مشروعات برنارد لويس واعتمدها الغرب كركيزة لمخططاته فى المنطقة ليجرى تنفيذها وسط ظروف عربية سادها اقتتال وتناحر وتشرذم وهو ما قدم خدمة جليلة للاستعمار. بل ويمكن أن يمهد الطريق نحو مشروع سايكس بيكو جديد يحرق المنطقة ويحفظ أمن إسرائيل.


ليت أمتنا العربية والإسلامية تعى المخاطر التى تحيط بها وتتحسب من لعنة مشروع برنارد لويس هذا الحاقد الذى رسم بأفكاره خريطة طريق يسترشد بها الغرب والصهيونية العالمية لاجتياح دولنا من أجل تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ. وللأسف يجرى هذا بمعية ومساعدة من أبناء المنطقة. آن الأوان لكى نتعظ، وفى الوقت الذى نلعن فيه هذا الآثم الحاقد فإننا نهيب بالعرب والمسلمين اليقظة لسد الطريق على كل محاولات التربص بهم وبدولهم، فهل من متعظ..؟.....
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف