الوطن
جمال طه
عشرة مؤشرات لنجاح العملية «سيناء 2018»
العملية الإرهابية ضد المصلين بمسجد الروضة، بئر العبد، العريش، 24 نوفمبر 2017، خلّفت 309 قتلى، بينهم 27 طفلاً، السيسى كلف رئيس الأركان فى 29 نوفمبر باستعادة الأمن والاستقرار بسيناء، بالتعاون مع الداخليّة، خلال ثلاثة شهور، بدأ برفع درجة الاستعداد الطبى بشمال وجنوب سيناء والإسماعيلية، إخلاء 30% من أسرّة مستشفياتها، إيقاف الدراسة بشمال سيناء، وإغلاق الطرق التى تربطها بمدن المحافظة وبالمحافظات الأخرى، وتم ضخ كميات من المواد التموينية والوقود، تفوق معدلات الاستهلاك المعتادة، بعض التجار المستغلين حاولوا اصطناع أزمة واستثمارها، إلا أن حزم الدولة وضع حداً سريعاً لها، وكانت أهم إجراءات الاستعداد هى مراجعة وتحديث معلومات بنك الأهداف الإرهابية، والتخطيط لتنفيذ العمليّة بمناطق تمركز الجماعات المسلّحة فى شمال ووسط سيناء.. بالانتهاء من تلك التجهيزات أمكن بدء العملية الشاملة «سيناء 2018» فى 9 فبراير الماضى.

مرور أربعة شهور «120 يوماً» على بدء العملية، يفرض النظر بشمولية لما تحقق، والمراجعة والتقييم:

أولاً: سيناء 2018 فضحت العلاقة العضوية بين الأنشطة الإرهابية، والنشاطات الإجرامية الأخرى، وعلى رأسها، زراعة البانجو والخشخاش، وتجارة الحشيش والحبوب المخدرة، وتهريب البشر والبضائع، كما كشفت الارتباط العضوى بين خلايا تلك العصابات فى سيناء، وامتداداتها على الحدود الجنوبية والغربية.. كشف العلاقة بين الإرهاب والمخدرات فرض توسيع دائرة عمل قوات المكافحة، ما أسفر عن ضبط كميات ضخمة بميناء الإسكندرية، وفى عرض البحر قبل وصولها.

ثانياً: التنظيمات الإرهابية فى سيناء، تربطها علاقات تنظيمية مع «جيش الإسلام» بغزة، وكذا بعض قادة حماس، الحدود مع القطاع «14 كم»، قطع طرق التواصل بينهم كان ضرورة حتمية لنجاح العملية، هدم الأنفاق لم يكن مجدياً، لأن لها آلاف المسارات البديلة والمخارج تم إغراقها، فتبين أن بعضها معزول بالخرسانة، منازل المنطقة كانت مخارج لها، حتى الأراضى المزروعة كانت غطاءً لمزارع المخدرات، ما اضطر قواتنا إلى إقامة سياج محكم من الأسلاك الشائكة مواز للحدود مع القطاع، على النحو الذى يقطع التواصل بين إرهابى سيناء، ونظرائهم فى غزة.

ثالثاً: العملية استهدفت تطهير كل شبر من أراضى سيناء، لذلك تم تقسيم المنطقة المحصورة بين قناة السويس فى الغرب والحدود الدولية فى الشرق إلى قطاعات، يتولى كل قطاع منها تشكيل عسكرى، مسئول عن تمشيط الطرق والدروب والمدقات داخله، ثم يؤمّنه بكمائن ثابتة، تحكم محاور الطرق والمدقات، لمنع إعادة تسلل الإرهابيين إليه، الكمائن يجمعها مخطط دفاعى واحد، يكفل تأمين بعضها البعض فى مواجهة أى عمليات تعرضية، وخطة التطهير الشامل تلك غير مسبوقة على مستوى العالم.

رابعاً: لا تستهدف العملية القضاء على الإرهابيين فقط، وإنما تدمير بنيتهم التحتية، ما يفسر نسف غرف العمليات ومراكز الإعلام وقرابة 5000 مخزن، ومعامل تصنيع العبوات المتفجرة والملاجئ والأنفاق وخنادق الاتصال، وممرات الهروب المجهزة هندسياً على أعماق بعيدة تحت الأرض، فضلاً عن قرابة 800 دراجة نارية، و400 سيارة دفع رباعى مجهزة للقتال.

خامساً: حملات قوات إنفاذ القانون أسفرت عن القبض على أعداد ضخمة من العناصر المطلوبة جنائياً، ما يؤكد أن سيناء كانت قد تحولت إلى مقصد لهم، لأن التنظيمات الإرهابية تقوم بتجنيدهم، وإلحاقهم بصفوفها، إما كعناصر مقاتلة بعد التدريب والإعداد، أو ضمن خلايا التمويل التى تتولى إنتاج وتجارة المخدرات، وعمليات التهريب، والسطو المسلح.. إلخ.

سادساً: شمولية العملية سمحت بمشاركة القوات الجوية، وقوات الحرب الإلكترونية، دقة استهداف الطيران والمدفعية لمواقع الإرهابيين بسيناء، وما ألحقته بهم من خسائر فادحة، سهل عمليات التمشيط اللاحقة لتلك المواقع، ما يؤكد نجاح المخابرات الحربية فى تحديد تلك المواقع بدقة، الأمر الذى مكّن من اصطياد أعداد كبيرة من الإرهابيين، دون وقوع خسائر بالمدنيين، رغم تغلغلهم فى بعض مناطق التكدس السكانى.

سابعاً: استخدام الطيران امتد إلى المنطقة الغربية، واستهدف سيارات الدفع الرباعى المحملة بعناصر الدعم والأسلحة، القادمة من ليبيا.. والعملية تضمنت أيضاً دفع وحدات مكافحة الإرهاب «القوات الخاصة، حرس الحدود، والشرطة المدنية» إلى الظهير الصحراوى للدلتا وغرب وادى النيل، خاصةً مناطق الواحات البحرية والبويطى والفرافرة، لضبط أى عناصر إرهابية تسللت عبر الحدود الغربية، وملاحقة التشكيلات الإجرامية المتمركزة بتلك المناطق، لمنع التحامها بالخلايا الإرهابية.

ثامناً: أسهمت طلعات الاستطلاع والدوريات المستمرة للطائرات بدون طيار فى السيطرة على الحدود الجنوبية، ونفذ حرس الحدود الدوريات ونصبوا الكمائن، لمنع تسلل عناصر الهجرة غير الشرعية، أو تهريب ضحايا عصابات الاتجار بالبشر، ناهيك عن وقف عمليات التنقيب عن الذهب، ما جفف واحداً من أهم مصادر تمويل أنشطة التنظيمات الإرهابية.

تاسعاً: مشاركة القوات البحرية فى العملية أغلق واحدة من أخطر الثغرات فى مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهى عمليات تسلل الأفراد عن طريق البحر، وتهريب الأسلحة والدعم عبر السواحل، ناهيك عن حماية حقول إنتاج الغاز بالمتوسط، وضمان حرية المرور الآمن بقناة السويس، فضلاً عن حماية الموانئ المصرية ومنشآتنا الساحلية من أن تكون هدفاً للانتقام.

عاشراً: افتتاح الرئيس قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، فى عمق سيناء، وتحت الأرض بـ27 متراً، أكد أن الموقف العسكرى بات تحت السيطرة الكاملة، وأن مواجهتنا العسكرية للمخاطر التى تهدد شبه الجزيرة لا تتعلق بالتهديدات الراهنة فقط، وإنما هى استراتيجية طويلة، تستهدف تأمين عمليات التنمية، والتوسع العمرانى، لخلق كتلة بشرية تتصدى لطموح الأعداء فى ملء فراغ المنطقة، وتربط بين سيناء والوادى.

وأخيراً، هناك ثلاث حقائق كشفها نجاح العملية.. الأولى: أن اقتحام العديد من مواقع التكفيريين ومقرات قيادتهم قد أكد بصورة لا تقبل الشك ارتباطهم بقوى خارجية، تتولى تمويلهم، وإمدادهم بالأسلحة والذخائر والمعدات المتطورة.. الثانية: أن تغطية كل شبر فى سيناء بعمليات التمشيط فرض التعاون الواسع مع الأهالى، وهذا أكد أن نسبة المتعاونين مع الإرهابيين تعتبر قليلة، وأن معظم المتعاونين أجبروا على ذلك بالتهديد والترهيب.. الثالثة: ورغم كل إجراءات الطوارئ المرتبطة بتنفيذ العملية، فإنها لم تمنع مصر من أداء واجبها تجاه الأشقاء الفلسطينيين، مصر فتحت معبر رفح طوال شهر رمضان، وصرحت بعبورهم من قطاع غزة عبر معبر رفح إلى الطريق الدولى فى اتجاه العريش، مروراً بالشيخ زويد.. الموقف فى سيناء بعد أربعة شهور من بدء العملية يعكس الثقة، ويبعث على الطمأنينة، ويبشر بالأمل القريب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف