الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
غــزوة بـــدر وأهل بدر

لا شك أن رمضان هو شهر الانتصارات . ففيه كانت أول غزوة غزاها المسلمون وهي غزوة بدر الكبري . حيث أكرم الله "عزّ وجلّ" المؤمنين بنصر من عنده علي قلّة عددهم وعدتهم بالقياس إلي أعدائهم . يقول الحق سبحانه : "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْري وَأَنْتُمْ أَذِلَّةىپ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافي مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَي إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافي مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَي لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِپوَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" "آل عمران : 123 - 126" . فنزول الملائكة إنما كان لبث الطمأنينة في قلوبهم . علي أن الملائكة أنفسهم إنما نزلوا بأمر الله وثبتوا بتثبيته لهم . ويقول سبحانه : - إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَي الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَاني - "الأنفال : 12" . ويقول الحق سبحانه : - فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْپوَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَي - "الأنفال : 17".
فإذا كنا مع الله بحق وصدق ألقي الرعب في قلوب أعدائنا . وإذا حدنا عن منهجه وشرعته نزع من قلوب أعدائنا المهابة منا وألقي الوهن في قلوبنا لبعدنا عنه . ومخالفتنا لأوامره . وعدم طاعتنا له . أو تقصيرنا في الأخذ بالأسباب التي أمرنا أن نأخذ بها من إعداد أنفسنا بكل ما يتضمنه الإعداد من معان إيمانية وعسكرية واقتصادية . حيث أمرنا سبحانه وتعالي بذلك فقال : "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةي" "الأنفال : 60" .
فالأخذ بالأسباب وصدق النية وحسن التوجه إلي الله "عزّ وجلّ" والاستعانة به أهم أسباب النصر . يقول الحق سبحانه : - وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَپ- "الصافات : 171-173" . ويقول سبحانه : - وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاپ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًاپ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - "النور : 55" .
فما كان لهذه القلة من المسلمين أن تقتل وتهزم تلك الكثرة من المشركين لولا تثبيت الله "عز وجل" للمسلمين . ونصره إياهم علي المشركين لبغيهم وظلمهم وطغيانهم . ذلك أن جيش المشركين هو الذي خرج إلي المدينة متجبرًا مختالًا يريد استئصال شأفة المسلمين بها . وكان أهل المدينة قد بايعوا رسول الله "صلي الله عليه وسلم" علي حمايته داخل المدينة مما يحمون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم . فقال "صلي الله عليه وسلم" : "أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ" فتكلم جماعة من المهاجرين فأحسنوا . وكلما تكلم واحد منهم يقول النبي "صلي الله عليه وسلم" : "أشيروا علي أيها الناس" . حتي قَام سَعْدُ بْنُ مُعَاذي فقال : وَالله لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ: أَجَلْ . قَالَ : فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك . وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ . وَأَعْطَيْنَاك عَلَي ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا . عَلَي السّمْعِ وَالطّاعَةِ . فَامْضِ يَا رَسُولَ الله لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك . فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لخضْنَاهُ مَعَك . مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلى وَاحِدى. وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَي بِنَا عَدُوّنَا غَدًا . إنّا لَصُبُرى فِي الْحَرْبِ صُدُقى فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ الله يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك . فَسِرْ بِنَا عَلَي بَرَكَةِ الله . ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْريو فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله امْضِ لِمَا أَرَاك الله فَنَحْنُ مَعَك . وَالله لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَي : "اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ" وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ . فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَي بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّي تَبْلُغَهُ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله "صَلّي الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ" خَيْرًا . وَدَعَا لَهُ¢.
وقد أعد رسولنا "صلي الله عليه وسلم" وأصحابه ما استطاعوا من عدة . وكانوا حريصين علي الشهادة حرص غيرهم علي الحياة . وفيها أكرم الله "عز وجل" نبيه وعباده بالنصر المبين علي قلة عددهم وعتادهم . لصدق نيتهم. وحسن توكلهم عليه . وأخذهم بما استطاعوا من أسباب .
علي أن هذه الغزوة كانت كما نري دفاعية يدافع المسلمون فيها عن أنفسهـم وأعراضهم وأموالهم ومدينتهم . فلم يكن خروجهم للقتال اعتداءً إنما كان لرد العدوان .
وكما أكرم الله نبيه "صلي الله عليه وسلم" . وأصحابه بالنصر في هذه الغزوة المباركة . فإنه سبحانه وتعالي أكرمهم كرمًا آخر لا عِدْل له . وهو ما عبر عنه نبينا "صلي الله عليه وسلم" بقوله : "لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَي اطَّلَعَ عَلَي أَهْلِ بَدْري. فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
ومن ثمة فإننا إذا ما أعددنا أنفسنا : أخذًا بالأسباب . وأحسنا التوكل علي الله والاعتماد عليه. كان النصر في الدنيا . والفضل من الله تعالي في الدنيا والآخرة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف