صباح الخير
اكرم السعدنى
الإمارات.. المتسامحة
سافرت إلى دولة الإمارات العربية بعد غيبة 18 سنة بالتمام والكمال وهى فترة زمنية طويلة ليست بعمر الزمن، ولكن بسرعة التغيير الذى يحدث فى هذا البلد الغريب، فقد حدث أن سافرنا إلى دولة الإمارات العربية فى رحلة الغربة التى بدأت بعد خروج السعدنى الكبير من سجن السادات عام 1973 مغضوبا عليه ممنوعا من الكتابة، وفى أبوظبى عاصمة الدولة انتظمنا فى الصف الأول الثانوى وكانت مدرسة أبوظبى للبنين هى أعلى مرحلة طلابية، زارنا خلال العام الدراسى رئيس الدولة الشيخ زايد رحمه الله وكان يناقش مع الطلبة مستجدات الأمور بكل صراحة، وكان الطالب يتلقى راتبا شهريا ضخما وزيا مدرسيا واحدا للشتاء وآخر للصيف، ويلقى رعاية طبية فوق العادة، ولم يكن هناك فرق بين المواطن الإماراتى وأى مواطن عربى آخر، ولذلك كان هناك زملاء من فلسطين والأردن وسوريا ومصر والعراق، ولكن الغالبية العظمى مصريون وفلسطينيون..
ولله الحمد نجحنا فى السنة الدراسية ولكن بملحق فى مادة الرياضيات الحديثة.. وكان موعد الامتحان بعد 3 أشهر من نهاية العام الدراسى.. وسافرنا إلى خارج الإمارات ودرسنا هالة وأنا مواد الملحق وعدنا للامتحان فلم نجد أبوظبى التى تركناها من 3 أشهر، بل إن المدرسة التى عشت بين جدرانها لعام دراسى كامل اختفت وسط غابات أسمنتية وغابات شجرية وخضراء وكانت منذ أشهر قليلة بقعة وسط صحراء وظل سائق التاكسى يدور ويلف حتى مر من عمر الامتحان أكثر من ساعة ونصف الساعة وعلى مضض وبالعافية وعلشان خاطرى وحياة النبى وافق المدرس على قبولى لأداء الامتحان، ولكن فى غرفة الناظر ولله الحمد نجحنا ومرت السنة بسلام، وهذه الزيارة التى مضى عليها أكثر من 18 سنة لأبوظبى وأكثر من 30 سنة لدبى ذهبت إلى هناك وتحديدا إلى إمارة العجب والعجائب دبى بدعوة من أحد الأصدقاء الغالين على قلبى من محبى السعادنة أجيال وراء أجيال.. لأكتشف أننى لست فى مطار عربى أو خليجى.. ولكن المطار الخالق الناطق مطار اليابان، فهناك قطار ينتظر القادم هو بالتأكيد أفضل من المطار ومن القطار اليابانى وأكثر تطورا، ولكنه على نفس النظافة والكفاءة والنظام يمضى كما الساعة السويسرية.
وقعت أمام الموظف المختص بالجوازات طلب منى جواز السفر، ثم النظر إلى الكاميرا الموجودة خلفه مباشرة، ثم ختم الجواز متمنيا لى زيارة طيبة فى الإمارات لم يسألنى من وجهتى أو كفيلى أو إقامتى أو سبب زيارتى وكان وجهه مبتسما، كلماته قليلة صوته منخفض أداؤه بالغ الاحترام قلت فى نفسى: الجواب باين من عنوانه وخرجت من المطار لأسرح ببصرى فى دبى البلد الذى كان سر انبهار كل السعادنة من أول أبويا الولد الشقى السعدنى الكبير رحمه الله مرورا بعمى صلاح متعه الله بالصحة وانتهاء بشخصى الضعيف.. كان السعدنى الكبير يقول: إن فى الإمارات فلوس وفى غيرها فلوس أكثر.. ولكن ميزة الإمارات أن حكامها وعلى رأسهم زايد صرفوا الفلوس لتجميل الحياة على أرض الإمارات ولتسهيل شئونها على سكانها سواء المواطن أو غير المواطن، ولذلك صرف الشيخ زايد المليارات لكى يجعل من الدولة كعبة يحج إليها الجميع من شتى بقاع الأرض.. وعندما كنت طالبا فى مدرسة أبوظبى للبنين أتذكر أن زملائى هناك منهم أحمد القبيصى وسلطان العتيبى وحمدان بن مبارك كلهم أصبح لهم شأن فى بلادهم.. فى هذه الأيام كان التليفزيون هناك يذيع كل يوم خميس مسرحية مدرسة المشاغبين - أى نعم - كل يوم خميس.. كانت السهرة مع سعيد صالح وعادل إمام ويونس شلبى وحسن مصطفى.. كانوا يعشقون الفن المصرى ويقدرونه ويعتبرون مصر هى أم العرب وحاضنة العرب. أذكر أنهم قبل إذاعة مدرسة المشاغبين يقومون من خلال التليفزيون بإذاعة مكرمة الشيخ زايد لمواطنى الدولة.. بذكر أسماء من عليهم الدور لاستلام قطعة الأرض الخاصة به ومبلغ ضخم من الدراهم لزوم البناء وتعمير الدار، بالطبع لايزال هذا النظام معمولا به حتى اليوم.. ولايزال للشيخ زايد رحمه الله مكانة عظمى فى قلوب الجميع سواء مواطنى الدولة أو المقيمين بها أو العابرين لها.. وعلى نهج مؤسسى الدولة يسير الجميع سواء فى أبوظبى، حيث تولى الحكم الشيخ خليفة أو ولى عهده الشيخ محمد أو بقية الحكام الذين يجمعهم عشق بلادهم أكثر من حبهم للمال أو لجمع الثروات، فقد شاهدت كيف تحولت إمارة دبى إلى واحدة من أكبر الأماكن على الأرض التى تضم ناطحات سحاب وهى ثروة عقارية لا يمكن حصرها، فالشقة الواحدة فى دبى يكفى أى إنسان أن يتركها فى الميراث للأبناء والأحفاد لكى يعيشوا عيشة المرحوم أوناسيس، والأسواق فى دبى تجد فيها الشامى والمغربى والهندى والباكستانى والماليزى والسويسرى والإنجليزى والعربى كلهم منبهرون مندهشون شاكرون المولى عز وجل على نعمة الأمن والأمان فالست الفلبينية مثلا التى تعمل فى مستشفى أو فندق لو اضطرتها الظروف للعودة إلا البيت فى وقت متأخر من الليل فهى تسير على قدميها آمنة مطمئنة إلى أن أحدا لن يمسها بسوء ولن يرمقها بنظرة من إياهم وأن أى صايع لا يستطيع أن يتفوه بكلمة غزل من أى نوع.. أما السيارات فهى تسير فى كل الإمارات بدون ضابط ولا رابط، فلا وجود للشرطة فى الشوارع إلا لضرورة قصوى وعسكرى المرور من أجل التسهيل على الناس وليس التنغيص عليهم وفقعهم مخالفات عمال على بطال ولا وجود لمواكب وزراء ولا كبراء ولا دياولو، فكل الطرق مصورة أى تحت السيطرة بالصوت والصورة والطريق من دبى إلى الشارقة يستغرق أقل من ثلث الساعة، ولكن فى أوقات خروج الموظفين فإنك سوف ترفع يديك للسماء وتقول عمار يا مصر زحام لا مثيل له ولو كان الجو حلو والهوا طرى لتركت السيارة وتمشيت من دبى إلى الشارقة.. وأصل الحكاية أننى وجدت زملاء دراستى فى العراق أيام صدام حسين يقيمون فى إمارة الشارقة.. وللشارقة مكانة فى قلبى ليس لها نظير فهى المكان الذى أوى الولد الشقى السعدنى الكبير كلما أحاطت به المخاطر وغضب عليه الحكام سواء فى مصر أو فى العراق.. كانت الشارقة هى الواحة التى تفتح ذراعيها بالمراحب لاستقبال السعدنى فى أى زمان، وكان حاكمها الشيخ سلطان هو الملجأ وهو الملاذ، الرجل الذى تعلم فى مصر وعاش بين أهلها فلم ينس مصر وأهل مصر على الإطلاق، وانحفرت فى قلبه ملامح وصور البشر والحجر، وانطبعت فى عقله الجيزة وما جاورها لا تفارق خياله بعد رحلة طويلة وصلنا الشارقة ولم تكن هى الإمارة التى عرفتها والتى زرتها للمرة الأخيرة فى العام 1981، فقد شمل العمران الأماكن كلها وأصبح للشارقة كورنيش تباهى به بقية الإمارات وتحولت إلى مكان مفضل لسكن كل العرب وللمصريين على وجه الخصوص، فالجميع هناك يعلم تمام العلم مكانة مصر وأهلها لدى حاكمها الملقب بالحاكم الصالح وتجولت فى شوارع الشارقة لأجد الحياة دبت فى كل مكان والأسواق عامرة بكل الخيرات والناس ليس فى الشارقة وحدها ولكن فى الدولة يعيشون بلهنيه العيش فهناك أنت تعمل وعلى قدر عملك يكون الراتب الذى هو بالنسبة للبسطاء يكفى ويزيد لكى يصبح مثلا الهندى عند عودته إلى بلاده بعد عشر سنوات يعيش عيشة المهراجا وهناك بعض الهنود المحبين للمصريين ولعادات المصريين فى الجلوس على القهاوى وتدخين الشيشة، استمعت إلى قصة عجيبة ولد هندى عمره 21 عاما جاء للعمل فى الإمارات واستطاع أن يلتحق بعدة وظائف واستغل البعض طيبة الولد الهندى للتجارة فى الممنوعات دون علمه وعندما وقع فى قبضة الشرطة حكموا عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، ولكنهم بعد عدة أشهر قالوا للولد إياه أن هناك أشغالا يستطيع أن يقوم بها وهو فى السجن وبالفعل وبعد مضى ما يقرب من الأعوام الثلاثة كانت إدارة السجن قد وفرت للولد مبلغا ضخما من المال لقاء العمل الذى قام به لمدة 3 سنوات ولم يصرف منه مليما حيث الطعام والشراب والإقامة مكفولة فى السجن.. وأحضروا الولد الهندى وقالوا له إن هناك مبلغا وقدره كذا وكذا، هو يصلح لكى يضمن لك حياة كريمة فى الهند؟ تهللت أسارير الولد وقال: إن هذا المبلغ يضمن لى حياة ملك فى الهند وما جاورها، فقالوا له إذن سوف نفرج عنك ونمنحك تذكرة عودة إلى بلادك وتستمتع بأموالك التى ادخرتها من مجهودك على ألا تعود إلى هنا مرة أخرى.. بالطبع هذه إدارة ليست متوافرة فى أى مكان فى العالم.. حولت ولدا مضحوكا عليه جرجروه رغم أنفه إلى عالم الجريمة.. وظفوه وهو فى السجن وجمعوا له ثروة بعد 3 سنوات وأرسلوه إلى بلاده معززا مكرما ليعيش فى بحبوحة الحياة وبمناسبة إخوانا الهنود الذين نتندر بهم فى بلادنا ونقول دائما كلما ظن أحدهم بصاحبه أنه فى الفهم مش ولابد فيقول له: أنت فاكرنى هندى.. كان هناك طباخ فى قصر الشيخ محمد بن زايد عمل لدى الأسرة لفترة طويلة جدا من الزمن وقرر الرجل بمزاجه أن يتقاعد ويذهب إلى بلاده ليعيش فيها ما تبقى من عمره، وباح برغبته هذه لرئيسه المباشر فى العمل.. ويبدو أن هناك فى هذه الدولة الأمور سهلة وبسيطة والوصول للكبار عملية لا تكلف صاحبها سوى الاتصال أو الكتابة، فقد علم بالأمر ولى عهد أبوظبى الشيخ محمد بن زايد وقرر أن يحتفل بتاريخ وعطاء الطباخ الهندى الذى أمضى الشىء الطويل من عمره فى خدمته، وبالفعل أقاموا للرجل حفلا ضخما على شرفه وكرموه وأسعدوه بما انهال عليه من المكافآت لقاء إخلاصه وتفانيه فى العمل وكأن الهندى والباكستانى والعربى وأى أجنبى حط الرحال على الأرض تحولت إلى وطن له.. له فيه حقوق وواجبات دون النظر إلى لونه أو جنسه أو ديانته.. وعلى خطى الشيخ زايد يسير الأبناء فى مهمة مقدسة هى أن تكون هذه الدولة واحة للأمان لكل مواطن ولأى مقيم وكل عابر سبيل، ولذلك ستجد فى العاصمة كما يحكى عشاق هذه البقعة أصبحت هناك مزارات سياحية رائعة حتى لا يكون القادم إليها مجرد رقم فى مجموعة عمل أو فى وظيفة حكومية.. فالناس ليسوا آلات ولكن لهم احتياجات منها ما هو ثقافى وترفيهى واجتماعى.. لذلك فإن أحد المزارات الرائعة هناك الجامع الضخم فى حجمه وفى زخرفه وفى جماليات تنظيمه وبنائه جامع الشيخ زايد الذى يحتوى على عدد من القباب يصعب حصرها ومئذنة ترتفع نحو السماء تمتد لأكثر من مائة متر وهو فى الترتيب العام خامس أكبر مساجد العالم تحيطه بحيرات من اتجاهات مختلفة، يتسع لأكثر من 7000 مصلٍ.. وإلى جوار هذا البناء المعمارى البهيج هناك المتحف الرائع اللوثرى العربى الذى يضم آثارا من مختلف بقاع الحضارات فى العالم، أما عن بناء هذا المتحف فإن كل الحروف والكلمات تعجز عن وصفه.. وعندما شاهدت فيلما مصورا لافتتاح هذا الصرح الثقافى المهيب تذكرت حكايات الولد الشقى السعدنى الكبير عندما ذهب لزيارة الخليج العربى بأكمله فى رحلة قام بها النادى الإسماعيلى فى المنطقة ليلاعب أندية ومنتخبات خليجية ويخصص دخل هذه المباريات لإزالة آثار عدوان أوسخ بنى البشر فى إسرائيل علينا فى العام 1967.. يومها قابل السعدنى الشيخ زايد فى خيمة متواضعة وعبر طريقا شاقا للوصول إليها وركب سيارة أكثر تواضعا من الخيمة ليلتقى برجل كان التواضع والبساطة عنوانا له واكتشف السعدنى أن حلم الرجل لوطنه أكبر بكثير من المساحات والبلاد التى قطعها السعدنى فى الإمارات ويسأل الشيخ زايد السعدنى: هل أنت صاحب مسلسل الشيخ لعبوط؟ وهنا أسقط فى يد السعدنى.. فلابد أن يكون المسلسل قد أغضب الشيخ زايد أو ترك أثرا سيئا فى نفسه وربما يكون هذا الأمر سببا فى فشل المهمة التى من أجلها ذهب السعدنى مع الإسماعيلى إلى الخليج وبكل هدوء يرسم السعدنى ابتسامته الجميلة ويقول للشيخ زايد: لأ.. المؤلف بتاع المسلسل ده هو الوالد الله يرحمه.. وترتسم علامات الدهشة على وجه الشيخ زايد الذى يترحم على الوالد وهو يقول للسعدنى:
لقد أسدى إلينا خدمة كبيرة هنا فى الإمارات.. ويندهش السعدنى لكلام الشيخ زايد الذى يمضى فى رواية الأيام الأولى فى أبوظبى وكيف كان حاكمها الشيخ شخبوط يكنز الأموال ولايعرف منها شيئا لتجميل الحياة أو تطويرها على الأرض.. ويقول الشيخ زايد.. لقد كان مسلسل الشيخ لعبوط هو العمل الإذاعى الذى لقى كل ترحيب من أهل أبوظبى فكانوا يستمعون إليه يوميا بسعادة وكلهم أمل فى أن تتغير الأحوال.. ويقول الشيخ زايد: رحم الله الوالد.. فقد أعاننا فيما كنا فيه.. ويضحك السعدنى ومعه كل من بالمجلس.. ويميل المهندس عثمان أحمد عثمان صديق السعدنى الصدوق.. ويقول للشيخ زايد: أن مؤلف العمل هو نفسه الجالس أمام سموه.. ولكنه استشعر الخطر عندما وجه له السؤال بشأن المسلسل الإذاعى وبصفاء العربى الطيب الشهم الودود يضحك الشيخ زايد ضحكته المجلجلة ويقول: والله أنت أسديت معروفا لى أنا شخصيا ولهذا البلد ويضحك السعدنى وهو يقول: يا سمو الشيخ أنا فى البداية خوفت ولو أنى متعود على السجون والمعتقلات فى بلادنا لكن هنا لو الحاكم زعل منى مش ح استحمل السجن ويقول الشيخ زايد احنا عاوزين نعمر البلد أولا، أما مسألة السجون هذه فليس هناك جرائم هنا وعلى العموم أنت وأهل مصر كلها مرحب بكم فى أى وقت.. ومن حكام الإمارات عرف السعدنى أيضا الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى الآن وهو بالسلوك واحد من البسطاء الذين لايعرفون العيش فى برج عاجى وهو يقوم بجولات فى الإمارة ليضع يده على نبض الناس ويتعرف على مشاكلهم ويأمر بحلها بأسرع وقت، وفوق ذلك فإن للشيخ محمد بن راشد مجلسا فى مزرعة له من حق أى مواطن فى الدولة يعمل فى أى مجال ويواجه صعوبة من أى نوع أن يدخل إليه فى مجلسه وأن يعرض شكاواه وبالطبع تجد هذه المشكلات طريقها الفورى للحل.. ويتذكر تجار الفاكهة هناك واقعة شبيهة عندما كان أجدادهم يستوردون الفاكهة من خارج الدولة بالمراكب الشراعية وكيف كان طابور الانتظار على ميناء دبى يحتوى على آلاف المراكب تنتظر الدور للدخول.. أيامها كان أحدهم من بلد عربى ويقيم بإمارة دبى قد استورد موزا ووجد أن أمامه شهرين على الأقل حتى يصيبه الدور وأدرك التاجر أن كل ثروته ذهبت أدراج الرياح وأن الخراب سوف يحل به فنصحه أحدهم بالتوجه إلى الشيخ راشد وفى أقل من دقائق أمر الشيخ راشد مسئول الجمرك والميناء بالسماح بإنزال حمولة الموز بأسرع وقت ممكن حتى لا يضار التجار ويقول الناس هناك أن الحكام يسعدهم تماما نجاح الآخرين فى بلادهم ولايهمهم من أى بلد أنت ولكن الأهم أن تعمل وأن تنجح وأن تقدم خدمة للمواطن وللمقيم وأن تحقق ربحا ولكن أن تكون الجودة هى عنوانك والإخلاص هو أهم سماتك.. وبمناسبة السجون فقد أصبح فى الإمارات سجون بالفعل.. وفى دبى وأنا مقيم بأحد فنادقها الرائعة القريبة من المطار قرأت فى صحف الصباح أن الشيخ محمد بن راشد أصدر أوامره بالإفراج عن عدد 20 مسجونا من الذين حفظوا القرآن الكريم ومنحهم حريتهم مقابل هذا العمل الجليل.. وأنا أستمع إلى مكارم هؤلاء الحكام أجد أحدهم يقول: ذات مرة جاء صحفى أجنبى ورافق الشيخ محمد بن راشد فى جولة من جولاته.. وكان الصحفى على ما يبدو لمرافقيه يعانى حالة عصبية فهو دائم الحركة برأسه ذات اليمين وذات اليسار وأحيانا يلتف بجسده لينظر خلفه وكما محمدين وحسنين ظل الرجل فى حالة من القلق لنفسه ولمن حوله.. حتى سأله أحدهم.. هل أستطيع أن أساعدك فقال الصحفى الأجنبى احنا قطعنا مسافة ضخمة جدا خلال الجولة وأنا أبحث عن السيارات المرافقة والحماية والحراسة والموتوسيكلات والطائرات ولكن لا أجد شيئا على الإطلاق.. من يحمى الحاكم.. وهنا ضحك المرافق وعلم لماذا أصيب الصحفى بحالة الهياج فى الحركة ولكنه قال له: إن كل من فى الطريق من مواطنين ومن مقيمين هم حراس الشيخ فهو بين أهله وناسه ومحبيه ولايحتاج لأى مخلوق لحراسته ويكفيه حب الناس حارسا أعظم له بعد المولى عز وجل وبالمناسبة هذا نفسه هو سلوك الشيخ محمد بن زايد الذى مر ذات يوم بأحد شوارعه فوجد طفلة تفترش الرصيف فنزل من سيارته وسألها عن سبب وقوفها فى الشارع وجلوسها على الرصيف فقالت إن أهلها تركوها لكى يشتروا بعض الأغراض فجلس على الرصيف التى جانبها حتى اطمأن لحظة وصول والديها واستلام الطفلة ولو حكينا من سلوك حكام الإمارات المثير للدهشة الباعث على الإعجاب ربما يقول الناس اننا نبالغ فى الأمور ولكن هذه الحواديت سمعتها من أصدقاء من فلسطين ومن سوريا ومن العراق ومن مصر وقرأت بعضها فى الصحف.. وانتهى برواية كل أهل الإمارات يتنذرون بها الأن.. فقد استضاف مذيع بإذاعة عجمان وهى إمارة اشتهرت فى الماضى بوجود استوديوهات للدراما لصاحبها عبدالله مراد أنتج من خلالها العديد من الأعمال الخالدة وبفضل هذه الاستوديوهات تمكنت من رؤية عمى صلاح حفظه الله أثناء تصوير أحدى هذه الأعمال فى الإمارات أقول.. استضاف المذيع فى إذاعة عجمان مواطنا له ست بنات فى عين العدو واشتكى الرجل من أحواله المادية الصعبة وخصوصا أن مصروفات التعليم أصبحت عالية ومع هذا العدد من البنات تعثرت الأمور ولم يكن لدى الرجل بيتا فهو يعيش بالإيجار وهذا جعل التزاماته أكبر ولكن المذيع ثار فى وجه المتصل واتهمه بالكذب وأغلق الاتصال و«سمعت» هذه الحكاية فى كل الإمارات وأصبحت حديث الناس وبلغ الأمر أولياء الأمر وتم استبعاد المذيع من قبل ولى عهد إمارة عجمان الشيخ عمار بن حمد النعيمى وأمر الشيخ محمد بن راشد بتوفير فيلا للمواطن وتلبية جميع احتياجاته على نفقة حاكم دبى شخصا واستضاف التليفزيون المواطن اياه وتوجه بالشكر أولا إلى المذيع الذى قطع عنه الاتصال وأعلن أنه مسامحه من كل قلبه فلولاه ما حلت مشكلاته وطالب بعودته إلى عمله وهو الأمر الذى تم بالفعل.. وفى النهاية عليّ أن أذكر بالخير أحد عشاق مصر الكبار الشيخ سلطان بن محمد الفاسى الذى زامل عمى صلاح أيام الجامعة فى كلية الزراعة وكانت حوارى وأزقة ومقاهى ومساجد وأهل الجيزة هم سكان القلب بالنسبة إليه.. وفى الجامعة كان الشيخ زميلا للفنان المنتصر بالله ولذلك فهو دائم السؤال عنه رغم مشاكل ومشاغل الحياة وأزعم أن صديق الأيام الجميلة الشيخ سلطان هو الوحيد الذى يصل ليسأل عن رفيق رحلة الدراسة والمذاكرة المنتصر بالله الذى ساءت أحواله الصحية بشكل خطير للغاية ابتداء من العام الماضى وقبل أن أصل إلى دبى فى رحلتى إياها استمعت إلى ما قام به الشيخ سلطان عندما أصدر أمرا برفع تقاعد أى موظف عمل فى حكومة الشارقة إلى 17.500 نعم سبعة عشر ألفا وخمسمائة درهم بالتمام والكمال ليضمن لهؤلاء الذين أفنوا حياتهم فى خدمة الشارقة كرامة وعزة فى أيامهم على المعاش وكان القانون ينص على أنه فى حالة وفاة المتقاعد لا يصرف لأهله سوى نصف معاشه ولكن الأمر قضى بأن يصرف المعاش كاملا فى حالة الوفاة لمن يستحقونه من الورثة، لقد أمضيت فى دولة الإمارات العربية المتحدة، وفى إمارة دبى تحديدا سبعة أيام لم تكن كافية لكى أتعرف على التغيير الذى طال هذا البلد منها فى حاجة إلى ابن فطوطة جديدة يلف ويدور ويسجل كيف تمكن هذا البلد من تذليل العقبات وتوفير الإمكانيات وجذب الاستثمارات وتسهيل الحياة للناس فى دولة وضع حجر أساسها عاشق العروبة الكبير زايد بن سلطان وعلى دربه سار كل حكام الإمارات.. ويا دولة الإمارات أسعدت أيامى وأوقاتى ولكن المحبوبة الأكبر والنداهة التى لا نعلم سرها ندهت عليّ فاستجبت لنداء المحروسة وعدت إلى أمتع بقعة على أرض الوجود أدام الله نعمتها.. المحروسة المصونة أم الدنيا مصر.•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف