فيتو
محمد حسن الألفى
الولاية الثانية.. هل يكتفي الرئيس
تنتهي دستوريًّا وعمليًّا يوم الأحد القادم، الثالث من يونيو الولاية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي، التي استمرت أربعة أعوام تفاوتت فيها شعبيته بين الرضا التام والولع الشعبي المستعر، امتنانًا وعرفانًا لدوره الوطني على رأس الجيش المصري العظيم في تخليص البلاد من الإخوان الخونة والجهلاء والعملاء، ثم الزعل فالغضب فالحزن فالتربص، بسبب قسوة العملية الجراحية العميقة للاقتصاد المصري، بهدف تخليصه من قيود عرقلت انطلاقه لأكثر من ٦٠ عامًا.

السبت الثاني من يونيو القادم إذن هو الموعد الأخير المتوافق مع الدستور لتنصيب الرئيس رسميًّا وفق مراسم محددة، في مجلس النواب لأول مرة منذ أحداث جريمة ٢٥ يناير في حق الوطن. الخائن المنتخب مرسي أدى اليمين في المحكمة الدستورية العليا بالعافية رفضًا للقضاء وانصياعًا للمرشد، ثم انصاع للقضاة ثم تحايل على حلف اليمين الدستورية بأن عاد وأداها في جامعة القاهرة، ومن بعده أدى اليمين في المحكمة الدستورية.

في الرابع من يوليو أصبح المستشار عدلي منصور، رئيسًا انتقاليًّا للبلاد إلى أن يختار الشعب رئيسًا جديدًا، في انتخابات حرة. وأداها الرئيس السيسي في رحاب الدستورية العليا في ٨ يونيو ٢٠١٤ وكان حلف اليمين في المحكمة الدستورية بسبب غياب مجلس النواب وقتها.

بعد غد السبت سوف يقسم الرئيس في القاعة الرئيسية بمجلس النواب، على حماية الوطن واحترام الدستور ورعاية مصالح البلاد والعباد رعاية كاملة والحفاظ على التراب الوطني طاهرًا غير منقوص ذرة واحدة. هو قسم الجيش أيضًا، يؤديه الأبطال، وهو قسم الوزراء، وهو قسم كل مصري وطني مخلص. تنتهي إذن الولاية الأولى وتبدأ إذن الولاية الثانية، ومدتها هي الأخرى أربع سنوات وفق الدستور الذي وضعته تشكيلة عجيبة من الأطياف المتناقضة التي زايدت فيما بينها على تكبيل حركة أي رئيس قادم.

خلال سنوات الحكم الأولى للسيسي بدت السنون الأربع لاهثة قصيرة خاطفة بالقياس لحجم الأحلام والمشروعات، والحق أن الدولة التنفيذية كانت في سباق، وكان واضحًا أن الرئيس السيسي يسابق الوقت وهو مدرك و"حاسس" أنه وقت ضيق وقصير ومخطوف. وقد راود هذا الشعور كثيرين، لكن تبجح البعض وأرادوا إغراء الضعف الإنساني عادة، بأن طالبوا الرئيس بتعديل الدستور ومد فترة الحكم إلى ست سنوات.

المفاجأة أن الرئيس لم يستقبل رسالة تسميم الثقة بينه وبين الناس ورفض التعديل وأكد أن فترتي حكم من ثماني سنوات تكفيه، بل هو مستعد أن يمشي إن طالبه الناس بالرحيل وفورًا ودون إبطاء.

معظم مشروعات الولاية الأولى تحققت أو في مرحلة التشطيب تقريبًا، وستبدأ مصر حياتها تحت ولاية ثانية للرئيس، وسط توقعات عالية، وتحت وطأة آلام مبرحة بسبب غول الغلاء وتوحش التجار وفوضى الشارع المصري. غول الغلاء وتواضع الدخول أمران مرتبطان بالعملية الإنتاجية ومحدودية الموارد وبعملية الإصلاح الاقتصادي الصعبة بل الدامية، لكن هناك أمران آخران بدت فيهما الدولة شبه دولة أو لا دولة، بل بدت غائبة وإن حضرت تصريحاتها.

الأمر الأول هو التوحش الحيواني الداهم لفئة من التجار والمستوردين، تحالفوا على الشعب ويمتصون دماءه حتى آخر نقطة نخاع، نخاع لأن الدم نفد خلاص. لم تقترب منهم الدولة بحجة حرية السوق. هي في الحقيقة حرية سرقة الشعب لحساب تجارهم والإرهاب سواء في جريمتهم ضد هذه الأمة.

المنافذ الرسمية الموازية هي تخفيف للعبء، لكن هذا لا يكفي؛ لأن إحساس المواطن أن التاجر يبالغ في الأسعار ويغش السعر ويسرقه ويضربه في عشرة، بلا محاسبة، هو ما سيجعله ساخطًا على الحكومة ويراها مغمضة العين عن لص علني متبجح. بل ربما يتساءل عن مصلحتها في السكوت عن التجار اللصوص.

الأمر الثاني المنغص لحياة الناس هو بلطجة الناس على الناس. نعم سرقة السيارات تقلصت، وخطف الإناث انحسر جدًّا، وقطع الطرق انتهى، لكن الشارع منفلت وفي فوضى وقانون الذراع والقبضة هو المسيطر والسائد. المرور هو مفتاح الفرج إن تحسن، والمرور هو مفتاح الغلق إن استمر غيابه أو حضوره على فترات في حملات متباعدة.

بعد غد إذن تبدأ مصر أربع سنوات أخرى مع السيسي، شهدت في الأولى استقرارًا متدرجًا بلغ ذروته خلال العامين الأخيرين بفضل تضحيات أولادنا وأخوتنا في الجيش العظيم والشرطة الوطنية العظيمة، واليوم يتطلع المصريون بشغف وبأمل إلى جني ثمار الصبر وتخفيف الحمل الثقيل عنهم، وأن يروا حنان الرئيس الذي غاب مع إصراره لإنجاح جراحة الإصلاح القاسية.

حبًّا فيه وثقة في وطنية مراميه وأهدافه يتحملون، لكن التعب بلغ النقطة الأخيرة ونحذر، ونخشى أن يستثمر الخونة والإرهابيون مشاعر تنمو بالغضب، فتفلت الأوضاع.

التجار اللصوص باب الخراب وإشاعة روح السخط، أما الوزراء والمحافظون ممن يسرقون فالله سلط عليهم رجال الرقابة الإدارية الأشداء، أعانهم على مهامهم وأثابهم إن كل يوم يسقط فيه لص كبير في مستقع الفضيحة المدوية... تسقط معه قطعة ثلج مرطبة على صدور المصريين الساخطة على الحرامية تجارًا ومسئولين سقطوا أو سيسقطون.

وبالطبع لن نعدم أن يخرج على الرئيس من ينشر الغواية بفتح قلب الدستور وتعديل المدد، لكن المناعة الروحية والإنسانية والخبرات السابقة سوف تحمي الرجل من فخ تقليدي لكل من حكم هذا البلد: أصعب من حكم مصر هو الخروج من حكم مصر. قالها الرئيس الأسبق حسني مبارك في مقتبل حكمه، وأعادتها قناة العربية وقت اشتعال ميادين التحرير ضده في أرجاء البلاد.
ندعو للرئيس بالتوفيق والسداد وللوطن بالهدوء والسلام والعيش الطيب والستر للجميع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف